ياسر الأطرش – ساحة الرأي | أخبار الآن

تزايدت نبرة اللوم وارتفعت حدتها من معظم المعارضين والثوار تجاه رئيس الائتلاف السوري السابق معاذ الخطيب بعد زيارته إلى موسكو بداية شهر تشرين الثاني من العام الفائت 2014، وكثرت التساؤلات والتكهنات عن مبرراتها إلى أن جاء الجواب منه سريعاً في الحادي عشر من الشهر ذاته بمقال منشور في صحف سورية معارضة بعنوان:" هل ستشرق الشمس من موسكو".. تحدث فيه الخطيب عن زيارته وطرح مبرراته التي لم تكن أكثر من إعلان يأسه من "أصدقاء سوريا" والبحث عن حل سياسي أو أرضية مشتركة للحوار مع النظام برعاية روسيا الدولة الأكثر تأثيراً في قرارات نظام الأسد رفقة إيران التي سبق له أن نفض يديه منها.

الآن، وبعد انجلاء الصورة، ربما يجد كثيرٌ ممن لاموا الخطيب على زيارته تلك، ربما يجدوا من واجبهم أن يشكروه بعد الهزيمة التي مُني بها النظام والدبلوماسية الروسية معاً حتى قبل انطلاق المؤتمر الذي ربما لن ينطلق.. وإذا أرادت موسكو حفظ بعض ماء وجهها ستطلقه "بمن حضر" كما صرح منذ أيام نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف. 

ولكن.. من الذي سيحضر؟.

الواقع الآن وقبل نحو أسبوع من انطلاق المؤتمر يشير إلى أن أحداً من المعارضة لن يحضر، فالذي أطلق الفكرة "معاذ الخطيب" كان أول المعتذرين عن الحضور، وبعد مشاورات مطولة في القاهرة واسطنبول بين المعارضة الخارجية ممثلة بالائتلاف والداخلية ممثلة بهيئة التنسيق وتيار بناء الدولة وأحزاب كردية، تتالت الاعتذرات من الشخصيات المدعوة حتى كدنا نرى منذ الآن قاعة المؤتمر تضم صفاً واحداً فقط، في غياب تام للمعارضة إلا تلك التي تمتدح الأسد أكثر من حزبه نفسه!.

غايات موسكو1 ومواقف المعارضة:
بدا جلياً بأن موسكو كانت ترمي من مؤتمرها وآلياته إلى هدف أوحد، هو تشتيت المعارضة ودقُّ أسافين جديدة وعميقة بينها، ومحاولة فرض لاعبين جدداً وتسويقهم على حساب تهميش الائتلاف الوطني خاصة، حيث ما زال، ولو شكلياً، الهيئة المعارضة الأكثر حضوراً في المشهد العالمي والإقليمي، إلا أن الائتلاف أدرك اللعبة ومشى فيها إلى آخرها كي يكون أكثر ثباتاً مع تبني معظم الشركاء مواقفاً متسقة مع موقفه الرافض للمؤتمر، وهذا ما كان حيث خرجت تصريحات الرفض متزامنة تقريباً، فجاء اعتذار الائتلاف على لسان رئيسه الجديد "خالد الخوجة" الذي أكد رفض الائتلاف وأعضائه الخمسة المدعوين للحضور، مستثمراً الفرصة لتسجيل نقطة أرادها أن تكون شعبية عندما أكد أن هذا الاعتذار مستمد من مواقف السوريين الذين يمثلهم الائتلاف، وأنه بدأ مرحلة جديدة سيكون صوت السوريين فيها هو الأعلى وقرارهم هو الأمضى.

ولم يتأخر تيار بناء الدولة "معارضة داخلية"، عن إعلان اعتذاره هو الآخر، الإعلان الذي أطلقه لؤي حسين رئيس التيار من سجنه، حيث يعتقله نظام الأسد، ساخراً من معارضة داخلية مصنّعة لا تختلف جذرياً مع النظام حسب وصفه.

أما هيئة التنسيق، فلم تحدد موقفها النهائي بعد، مفضّلة بعض الاستعراض السياسي قبل البت بالأمر، راهنةً أمر مشاركة رئيسها، حسن عبد العظيم، بمشاركة وزير خارجية النظام، وليد المعلم، الذي سبق وأعلن عدم حضوره وتخفيض مستوى التمثيل بحيث يرأس وفد النظام نائبه فيصل المقداد.

وعلى أية حال، حتى لو قررت الهيئة الحضور فلن يختلف الأمر كثيراً، فقد خسرت خلال سنيِّ الثورة معظم كوادرها والمتعاطفين معها، فلا ثقة بمعارضة تنشط في دمشق على مرأى ومسمع أعتى آلة قمع في التاريخ الحديث، وتكفي لقاءات وتصريحات أحد أقطابها "هيثم مناع" لتشي بما لا يستدعي إخباراً بعد وعيه، فالرجل يبدو في كثير من المواقع مدافعاً عن النظام أكثر من أشد مؤيديه.

هل يُعقد موسكو1 في دمشق!

ليس من باب السخرية نتساءل، إلا أن الخيبة التي مُني بها نظام الأسد ومُتبنوه في موسكو، دفعت وزير المصالحة في النظام "علي حيدر" لشن هجوم على كل هيئات المعارضة الخارجية والداخلية بما فيها هيئة التنسيق، فيما يبدو اعترافاً غير مقصود بالورطة، إلا أن الرجل عبّر عن خيبة نظامه أكثر عندما طرح مؤتمراً بديلاً يتم الإعداد له في دمشق بحضور كل "الأحزاب المرخصة"، وتساءل "بعفوية": "إلى متى نرحل باحثين عن الحل في عواصم العالم بدلاً من التفتيش عن الحل في دمشق ومن دمشق"، مشيراً إلى أن "العنوان الأساسي للقاء هو كل الدروب تؤدي إلى دمشق".. وبذلك يكون الوزير "المعارض" علي حيدر قد أعلن رسمياً وأد لقاء موسكو وخسارة نظامه جولة سياسية زيّنها الحليف الروسي له.

إلا أن الخسارة الأقسى هي التي لحقت بموسكو، حيث أتاحت لها الولايات المتحدة والغرب الفرصة، عن خبث، فقد كانوا واثقين من هذه المآلات، وإن لم ينسقوا المواقف مع المعارضة، فالمعارضة لم تكن في سعة من الخيارات، وكان الرفض هو الخيار الوحيد المتاح لكل من أراد أن يحتفظ ولو اسمياً بصفة "معارض".

وبذلك لا تكون موسكو قد خسرت جولة أو مؤتمراً، بل خسرت وصفها بـ"شريك في الحل"، لتحتفظ بصفتها الدائمة والملازمة في الشأن السوري ويصبح لها اسماً أوحداً "شريكة في القتل".