ساحة الرأي | ياسر الأطرش – (أخبار الآن)

يدرك السوريون تماماً أن العالم لن يتحرك لا عسكرياً ولا حتى وجدانياً لينتصر لأبرياء دوما الذين أحرقتهم نار الأسد الحاقد، وأتت على شيخهم وطفلهم بقصدية مطلقة، وسط تهليل وابتهاج ونشوة من آكلي لحوم البشر من الشبيحة الطائفيين و"الممانعين"، وليس آخرهم ولا أوحدهم رائدة الفبركات والتشفّي "غدي فرنسيس" التي أطلقت عبارتها الساخرة "دوما مشوية" وأتبعتها بعبارة أشد في النفس من الموت ذاته وكأنها مصرة على السخرية من موت الأبرياء، لتزيد: "دوما مسلوقة".

ولا يبدو ذلك غريباً في زمن بشار، فالإعلاميون المفترضون على قرع طبله يرقصون، ويسوقون للعالم أفكاراً يخجل من طرحها حتى المجانين والحمقى، فمنذ يومين خرج علينا "إعلامي عالمي" كما قدمه تلفزيون الأسد، يدعى "مصطفى بربر" ليقصَّ على مسامعنا ما تعجز عن فهمه وإدراكه أعتى العقول العلمية حول جهاز "آي فون" ذي الخصائص الخارقة الذي أدخله شخص سوري قادم من الخليج، لتتبعه المخابرات التركية والعالمية ويختطفونه ومن ثم يطلقه مسلح سوري ضميره حيّ، في رواية غرائبية لا يمكن شرحها لأنه لا يمكن فهمها!.

إلا أن بربر وفرنسيس وأساتذتهم، لن يستطيعوا الوصول إلى أطراف عوالم كذب ووقاحة رئيسهم، الذي أفنى جيشه الباسل مدناً وقرى بأكملها بالبراميل المتفجرة العمياء، وخلال إلقاء العشرات منها، وفي ذات الأثناء، كان ينفي لقناة BBC علمه بوجودها أو استخدامها من قبل جيشه!.

يجب إذا على العالم أن يكذّب عيونه وكاميراته وشهوده، ويجب علينا أن نكذّب المؤيدين الذين يتغنون بالآلاف بالبراميل، ويجب أن نكذب الموتى ونجعلهم يبتكرون أسباباً أخرى لموتهم تناسب السيد الرئيس!.

ومع دخول الحرب هذا المدخل الخطير، من إحراق دوما، إلى سخرية الأسد من العالم بأسره، إلى تشفي أزلامه بموت الأبرياء، ماذا تغير وماذا يمكن أن يتغير؟.

أكثر الأجوبة إيلاماً هو الاحتمال الراجح، لن يتغير شيء.. فردود فعل العالم على إحراق دوما أقل من باردة، والردود على التصريحات المستهزئة بالإنسان والإنسانية، شبه معدومة عدا توضيحات عادية من وزارة الخارجية البريطانية لا تؤسس لموقف ولا يمكن البناء عليها، فهل تخلى العالم عن المسألة السورية نهائياً؟.

حقيقة، العالم كله معنيٌّ بالقضية السورية، كلٌّ حسب ضروراته ومصالحه، فحتى دولة جزر القمر بدت مهتمة عندما أصدرت مؤخراً قراراً يقضي بمنع السوريين من دخول أراضيها دون الحصول على تأشيرة وموافقة أمنية.. ودول الجوار مشغولة باللاجئين وهمومهم ومتاعبهم، وكذلك أوروبا التي تصب اهتمامها على إعادة توطين ما يمكن من السوريين وإطفاء الحرائق العنصرية الناشئة تجاههم وأقرانهم في مجتمعاتها، غير متقاعسة في دورها العسكري المحصور في محاربة داعش ضمن التحالف الدولي، أما الولايات المتحدة فتبدو متواجدة في كل التفاصيل ولكن بلا فاعلية، وهذا ما سارت عليه سياسات أوباما المترددة تحت عنوان "فلنتجاوز كل ما يمكن أن يخلق تفرقة".

وفي الجانب الآخر، تلقي روسيا بثقلها السياسي كله في الميدان، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وتطلق الحبل على غاربه للحليف الإيراني ليقود المعركة بشكل سافر على الأرض، مستخدماً نظامه الديني في استقطاب المقاتلين الطائفيين من أركان الدنيا الأربعة، فيما يبدو بالنسبة لها معركة حياة أو موت، فخسارة سوريا ستقوّض حلم الإمبراطورية وتجعل مكاسبها في اليمن مبتورة، ما لم تستطع تطويق الخليج العربي من بوابة الأردن.

وعلى هذا، فمن ذا الذي ينتظر السوريون تدخله؟ ومن ذا الذي بقي خارج اللعبة؟

العالم جُلُّه موغلٌ في المقتلة، ودم "دوما" يعني السوريين وحدهم، وتدرك الأنظمة التي تدير حرب الأسد أن مزيداً من المجازر لن يغير الاصطفافات والأولويات.. والانطلاق من هذه الحقيقة بالنسبة للسياسيين والعسكريين في المعارضة، ربما يوفر كثيراً من دم الأبرياء، إذا ما أحسنوا إدارة القضية ومخاطبة العالم بلغة المصالح بدل الندب والتذكير بجرائم الأسد، فالعالم كله يسمع ويرى ويعرف، ولكن وحدنا نتألم ونموت..