فضل سعد البوعينين * – ساحة الرأي | أخبار الآن

أخطأت إيران حين بدأت في تطوير سلاحها النووي على حساب دعم إقتصادها؛ وإستثمار عائدات النفط والغاز في التنمية وبناء قطاعات الإنتاج. ركز نظام الملالي منذ يومه الأول على تصدير الثورة ومحاولة السيطرة على دول المنطقة. لم تعد معايير القوى  كما كانت عليه من قبل؛ فالقوة الإقتصادية باتت أشد تأثيرا؛ وأكثر قدرة على فرض السيطرة ونشر الثقافة؛ والتحكم بمستقبل الدول؛ من الجيوش والأسلحة الفتاكة. التحول النوعي في أدوات السيطرة والتأثير مَكَّن الولايات المتحدة الأميركية على تحقيق الهيمنة الشاملة على المجتمع الدولي، من خلال قدراتها الإقتصادية وسيطرتها على التعاملات التجارية وتسيد عملتها عمليات التقييم؛ و التقاص الدولية. لا يمكن إغفال إمكانيات أميركا العسكرية؛ إلا أن تأثيرها العالمي بات أكثر إرتباطا بقدراتها الإقتصادية وهيمنتها المالية  والنقدية.

إستقلال إيران الإقتصادي مرهون بملفها النووي

وعوضا عن تصحيح خطأه الأول؛ كرر النظام خطأه حين أعتقد أنه قادر على تحدي المجتمع الدولي والمضي في تطوير السلاح النووي برغم العقوبات المؤلمة. تصدير الثورة وتغيير موازين القوى لم يكن الخيار الأمثل لإيران؛ ذات المقومات البشرية والإقتصادية والثروات الطبيعية؛ وهو ما أثبتته السنوات العجاف التي كبدت  إقتصادها خسائر فادحة؛ بسبب الحظر الدولي الذي تسبب في تفشي الفقر؛ وأسهم في رفع معدلات البطالة والتضخم؛ وأوقف عجلة التنمية؛ وحرمها من الإستثمارات الأجنبية والتطوير الشامل.
 
تحتل إيران المرتبة 136 في مؤشر الفساد العالمي؛ ما يعني تحمل إقتصادها تكاليف باهضة دفع ثمنها عامة الشعب لمصلحة المتنفذين وفي مقدمتهم أعضاء المؤسسة الدينية؛ و قادة الحرس الثوري. كما أنها تحتل المرتبة 83 في مؤشر التنافسية الدولية، ما يعني تخلفها؛ وحاجتها الماسة لتطوير قدراتها الإقتصادية بشكل سريع؛ وتحقيق معايير التنافسية التي يمكن من خلالها تحسين مركزها في التصنيف العالمي. بالإضافة إلى ذلك تعاني إيران من إرتفاع حاد في تكلفة المعيشة التي وصلت إلى 40 % تقريبا؛ ونسب البطالة التي يُعتقد أنها تجاوزت 30% . وفي القطاع النقدي يواجه البنك المركزي مشكلة كبرى في توفير النقد الأجنبي لدفع فواتير الواردات الأساسية؛ وحماية العملة المحلية التي تعاني الإنهيار. 
 
إنخفاض إحتياطيات البنك المركزي الإيراني من العملات الأجنبية تسبب في فقدان العملة المحلية الجزء الأكبر من قيمتها أمام الدولار؛ حيث سجل الدولار مؤخرا ما يقرب من  28.220 ريال إيراني.  إنخفاض العملة المحلية تسبب في رفع تكلفة الواردات وانخفاض تكلفة الصادرات الإيرانية، وغلاء المعيشة وتسبب في ازدياد الفقر والبطالة، إضافة إلى هجرة رؤوس الأموال؛ وتوقف تدفق الإستثمارات الأجنبية.
 
واجه الاقتصاد الإيراني تدميرا شاملا؛ خلال سنوات الحظر الطويلة؛ وبخاصة القطاع النفطي الذي أصيب بالشلل جراء توقف التصدير وبالتالي الإنتاج. أضطر النظام الإيراني للإلتفاف على الحضر الدولي من خلال بعض الدول التي سمحت له بتهريب نفطه من خلالها؛ وبيعه بأسعار زهيدة مقارنة بالأسعار العالمية. تعطل قدرات إيران التصديرية بسبب الحظر؛ دفعها لبيع نفطها على روسيا بأسعار زهيدة؛ وهو ما ضاعف من أزماتها المالية وقلص من قدرتها على معالجة مشكلات الإقتصاد؛ عوضا عن توفير إحتياجاتها الأساسية؛ وتمويل الواردات.
 
من الواضح أن إنتخاب الرئيس حسن روحاني جاء على خلفية وعوده الإقتصادية؛ وأطروحاته الإصلاحية. العزف المنفرد أسهل بكثير من العزف ضمن عازفي الأوركسترا؛ لذا واجه الرئيس روحاني معوقات كثيرة حين وصوله  سدة الرئاسة. شح الموارد المالية؛ والفساد كانا من أسباب فشل جهوده الإصلاحية ولا شك؛ وكلاهما على علاقة بالحظر الدولي المرتبط بملف إيران النووي. يبدو أن علاقة الرئيس روحاني بالمرشد الأعلى سمحت له بتحريك الملف النووي والدفع به إلى الأمام؛ برغم التحدي من قبل المتضررين من قادة الحرس الثوري؛ الذين إجتهدوا في وضع العراقيل أمامه؛ وإفشال تحركاته الدبلوماسية؛ وأخرها إعتراضهم المعلن على الإتفاق النووي الأولي بين إيران والغرب. الجنرال حسين سلامى نائب قائد الحرس الثوري أكد على التلفزيون الرسمي توجههم لمنع  المفتشين من زيارة مواقع عسكرية بموجب أى اتفاق نووى مع القوى العالمية؛ ووصف السماح بتفتيش المواقع العسكرية على أنه "خيانة". قد يعتقد البعض أن تهديد الاتفاق النووي لأديولوجية الحرس الثوري هو سبب الرفض؛ إلا أن الجانب المالي المرتبط بمنفعة قادة الحرس الثوري من إدارة الشركات التابعة له والمسيطرة على الإقتصاد هو السبب غير المعلن.
 
برغم معارضة الحرس الثوري للإتفاق الأولي؛ إلا أن روحاني ربما حصل على تأييد غير معلن من قبل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية "علي خامنئي"؛ وربما تكون فتوى تحريم إنتاج السلاح النووي جزء من التفاهم والدعم للرئيس روحاني.
 
خرجت إيران خاسرة من عنادها السياسي الذي حملها تبعات العقوبات الدولية؛ وأنهك إقتصادها بمشكلات متشعبة يصعب الخروج منها بسهولة. قد يكون معيار الفشل والنجاح مختلفا بين القيادتين السياسية والدينية لأسباب فكرية صرفة؛ غير أن إيران كانت قادره على تجاوز العقوبات الدولية لو قبلت الشروط التي قدمت لها من قبل؛ وقد كانت أقل شدة مما قبلت به اليوم.

يُعتقد أن إيران ربما كسبت من توقيع الإتفاق النووي مع الغرب؛ وإن فقدت فرصة تطوير مشروعها النووي؛ على أساس أن ما تحتاجه  اليوم هو معالجة مشكلاتها الإقتصادية لا تطوير المفاعلات النووية. فالفقر والتضخم والبطالة وتعطل التنمية يدمرون إيران من الداخل؛ ومالم يلتفت النظام لمعالجة تلك المشكلات بدل الإستماتة من أجل تصدير الثورة ودعم التنظيمات الإرهابية؛ فسيجد نفسه في مواجهة قريبة مع الشعب الذي بات أكثر تذمرا وإحتجاجا.

التوقيع النهائي على الإتفاقية النووية سيسهم في رفع غالبية العقوبات الإقتصادية ذات العلاقة بالملف النووي ما يعني قدرة إيران على إعادة علاقاتها التجارية؛ والبدء في تصدير النفط والغاز وبيعه بالأسعار العالمية؛ وتطوير منشآتها النفطية والإلتفات إلى قطاعات الإنتاج التي يمكن أن تسهم في معالجة المشكلات الإقتصادية المتراكمة بسبب الحظر الدولي. إنفتاح الإقتصاد سيسهم في خفض معدلات الفساد؛ وسيساعد كثيرا في دعم العلاقات السياسية التي باتت أكثر إرتباطا بالشراكات الإقتصاد.

تخلي إيران عن ملفها النووي؛ وإبداء حسن النوايا تجاه جيرانها؛ وترسيخها من خلال العلاقات القائمة على الثقة والتعاون والشراكات الإقتصادية سيعزز إستقرار المنطقة وسينعكس إيجابا على دولها بما فيها إيران. تبحث الشعوب دائما عن الأمن والإستقرار؛ و رفاهية العيش؛ وهي أمور يمكن تحقيقها من خلال السلام والتعايش لا الحروب المدمرة. أمن إيران؛ وإستقرارها؛ وإقتصادها ورفاهية شعبها مرتبطون بالسلام لا الحرب؛ وتصدير الثورة؛ وهو ما ينبغي على النظام الإيراني إدراكه. 

* مختص في الإقتصاد والقطاع المصرفي