أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة – (صحف)

ما الذي يعطينا الإحساس بالزمن؟

ماذا يحدد لنا أوقات النوم وأوقات اليقظة؟

ما سبب ارتفاع حرارة جسم الإنسان نصف درجة في النهار بالمقارنة مع حرارته في الليل؟

من المسؤول عن زيادة خفقان القلب في النهار بمعدل ١٠ إلى ٢٠ ضربة أكثر في كل دقيقة مقارنة بالليل؟

ماذا يقف وراء زيادة إدرار البول أربعة أضعاف في النهار عنه في الليل؟

ما الذي يتوارى خلف زيادة نشاط المخ والجهاز العصبي في النهار مقارنة بالليل؟

ما الذي يرفع لزوجة الدم في النهار أكثر منها في الليل؟

ما الذي يحض على زيادة عدد كريات الدم البيض في النهار مقارنة مع عددها في الليل؟

ما الذي يوعز بطرح بعض الهرمونات الضرورية في النهار لقيام الجسم بمهماته؟

ما الذي يجعلنا نصاب بالأرق عندما نسافر إلى أماكن بعيدة؟

ما الذي يدفع معظم الحوامل إلى الوضع في ساعات الصباح الأولى؟

ما الذي يتولى الإشراف على تنظيم العمليات الإستقلابية والسلوكية؟

ما الذي يجعل فاعلية بعض الأدوية أكبر في أوقات معينة مقارنة مع أخرى؟

ما الذي يتحكم بوظائف القلب والهضم والمناعة وإفراز الهرمونات؟

إنها الساعة البيولوجية.

و هي عبارة عن نواة صغيرة لا يتجاوز حجمها حجم حبة الرز، وتتألف من مجموعة خلايا (يقال أن عددها يراوح بين ٢٠ ألفاً و٥٠ ألفاً) توجد إلى جانب الغدة النخامية في نقطة التقاء العصبين البصريين في قاع المخ. وتتولى هذه الساعة تنظيم عمل مختلف أعضاء الجسم بشكل دقيق للغاية، وفقاً لتعافب الليل والنهار، لذلك إذا عاش الإنسان في ظلام مستمر أو نهار دائم فإن الساعة البيولوجية تتعرض للخلل.

وتعمل الساعة البيولوجية على مدار ٢٤ ساعة على ضبط إيقاع الحياة، إذ من دونها نفقد الإحساس بالزمن، ما يعكر صفو العيش. وكل شخص يملك ساعة بيولوجية تختلف عن الآخر، ففي داخل كل واحد منا ساعته الخاصة التي تعمل على ضبط وتنظيم دورة حياته اليومية بكل دقة من دون تقديم أو تأخير.

وتبدأ مهمتها منذ الحياة الجنينية. وقد تبين للعلماء أن هناك حامضاً نووياً يتسبب في إطلاق سلسلة من التفاعلات المتتالية لها علاقة بتنظيم عمل وظائف الجسم، وإن أي عرقلة لنشاط هذا الحامض يمكن أن يوقف سلسلة التفاعلات الأمر الذي يؤثر على انتظام عمل وظائف الجسم المختلفة. وتتأثر صحة الشخص النفسية والجسدية نتيجة اختلال الساعة.

ويمكن أن نتبين أهميتها من خلال الحقائق الآتية:

– إن استعمال الساعة البيولوجية كمنبه طبيعي بدلاً من الساعة المنبهة أفضل بكثير، فقد أثبتت الدراسات إن الإستيقاظ على وقع الساعة البيولوجية أكثر أماناً، خصوصاً أنه يتم بطريقة تدريجية، وذلك بعكس الساعة المنبهة التي توقظنا بشكل مفاجئ وصاخب، ويمكن أن تؤدي أحياناً إلى الإصابة بالسكتة الدماغية.

– لفتت دراسات إلى أن اختلال الساعة يمكن أن يفتح الطريق لاستيطان العديد من الأمراض، أبرزها إضطرابات النوم وأمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري والسرطان والأمراض النفسية.

– في دراسة علمية نشرتها المجلة الأميركية لأمراض جهاز الهضم سجل باحثون من جامعة ميتشيغن زيادة خطر الاصابة بمرض القولون العصبي لدى الأشخاص الذين يعملون بنظام المناوبة، مقارنة بآخرين كانوا يعملون بفترات ثابتة ومن دون مناوبات متكررة.

– كشفت دراسة حديثة أجراها علماء من جامعة ولاية أوريغون الأميركية أن الإرتباك في الساعة البيولوجية لأسباب وراثية أو بيئية هو المسؤول عن انهيار الخلايا العصبية وبالتالي الإصابة بعدد من الأمراض الناتجة عن هذا الخلل.

– في دراسة أجريت على الفئران في جامعة ييل الأميركية وجد الباحثون أن هناك تغيرات تطرأ على مدار اليوم في تركيز مادة بروتينية على علاقة بجهاز المناعة، ووجدوا أن الإستجابة المناعية عند الفئران تحسنت عندما كان مستوى المادة البروتينية المذكورة في الذروة، وبناء عليه يقول البروفيسور إرول فيكريغ قائد الدراسة، أن هناك علاقة مباشرة بين إيقاع الساعة البيولوجية والجهاز المناعي ما قد يؤثر بدرجة كبيرة في ابتكار وسائل جديدة للوقاية من الأمراض.

– إن الساعة يمكن أن تفيد في قياس عمر معظم الأنسجة، وهذا ما توصلت إليه دراسة بقيادة ستيفن هورفاث من جامعة كاليفورنيا -لوس أنجليس للصحة العامة، والتي نشرت نتائجها في مجلة بيولوجيا الجينوم في العام ٢٠١٣. النتائج قد تفيد في إلقاء الضوء على بعض الأسباب الكامنة وراء التقدم في العمر، وكيف يمكن إبطاء هذه العملية، كما قد توفر معلومات قيمة حول السرطان وبحوث الخلايا الجذعية.

– أثبت علماء أميركيون بالتعاون مع باحثين فرنسيين أن الساعة البيولوجية عند المرأة تتقدم بسرعة أكبر من ساعة الرجل، وهذا ما يفسر سرعة ميل النساء الى النوم والإستيقاظ مبكراً أكثر من الرجال، خصوصاً إذا علمنا أن الساعة البيولوجية تتحكم في عملية النوم واليقظة والسهر.

الدراسة أجريت في مختبرات كلية الطب في جامعة هارفارد، وشملت ٥٢ سيدة، و١٠٥ من الرجال تراوحت أعمارهم بين ١٨ و٧٤ سنة، وتمت مراقبة المشاركين في الدراسة من اسبوعين إلى ستة أسابيع في وسط خاص تغيب فيه إمكانية معرفة الزمن، وذلك من أجل تحديد سرعة دورة الساعة البيولوجية لدى الجنسين، وبعد انقضاء المدة المرسومة، توصل الباحثون إلى أن طول الدورة اليومية للساعة البيولوجية عند المرأة كان أقصر من طول الدورة عند الرجل بمعدل ست دقائق، ما يبرر الرغبة المبكرة للنوم عند النساء وكذلك اليقظة المبكرة مقارنة بالرجال.

هل يمكن ضبط عمل الساعة البيولوجية؟

لا شك في أن تحديد ساعات النوم في كل ليلة، وإطفاء مصادر الضوء في أمكنة النوم، والتعود على الإستيقاظ من دون منبه خارجي، والتعرض للضوء فوراً بعد اليقظة، خصوصاً ضوء الشمس، وكذلك التغذية الجيدة، واتباع نمط حياة صحي، وممارسة الرياضة بانتظام، كل هذه الأمور تساهم في ضبط عمل الساعة البيولوجية.

وينصح فريق البحث الأميركي من جامعة تكساس بالقيلولة، أي بأخذ قسط من النوم في وقت الظهيرة، كونها تؤثر إيجاباً في وظائف الساعة البيولوجية ما يجعلها تعمل بكفاءة أكبر.

وإذا كنت تعمل في أوساط مهنية معتمة في أغلب الأوقات فإن الباحثين من وحدة البحوث الفرنسية، ينصحونك بالتعرض إلى إضاءة غنية بالأزرق من ٣٠ دقيقة إلى ساعتين يومياً، فهذا كفيل بمنع اضطراب الساعة البيولوجية وبالتالي الوقاية من مشاكل عدة.

ختاماً، بقي أن نعرف أن السفر إلى أماكن بعيدة يختلف توقيتها عن التوقيت الأصلي الذي نعيش فيه يسبب تناقضات بين الساعة البيولوجية الداخلية والتوقيت الخارجي، ما ينعكس سلباً على حال المسافر الصحية والمزاجية والنفسية ويعرضه للمعاناة من عوارض مزعجة، مثل التعب، والإرهاق، والأرق، وصعوبات على صعيد التركيز والتفكير، وتلازم هذه العوارض صاحبها بعض الوقت إلى أن يتم ضبط الساعة البيولوجية على التوقيت الجديد.