أخبار الآن | غازي عينتاب – تركيا – (إعداد: راني جابر)

امتلك النظام السوري واحدة من أضخم منظومات الدفاع الجوي في الشرق الأوسط، وهي منظومة معقدة وكثيفة جداً ومتداخلة، حيث اشتركت هذه المنظومة في ما يعرف بحرب تشرين أو (يوم الغفران)، ثم حرب لبنان 1982 وتعرضت وحدات الدفاع الجوي السوري في البقاع لمجزرة دمرت خلالها حوالي 18 بطارية دفاع جوي سام (2-3-6)، خلال يوم واحد، اضافة إلى حوالي مائة طائرة..

ومع بدء المعارك مع الجيش الحر منيت بخسائر كبيرة، وخسرت عدد كبير من كتائب الدفاع الجوي بكافة أنواعه، وكانت هذه الكتائب أسهل الأهداف عموماً خلال المراحل الأولى لمعارك الجيش الحر مع قوات الأسد.

تحتوي منظومة الدفاع الجوي الصاروخية لجيش الأسد على 25 وحدة فيها حوالي 150 بطارية دفاع جوي (صاروخي) على أقل تقدير، عدا المدفعية المضادة للطائرات (تقديرات تعود الى ما قبل الحرب). حيث تتكون شبكة الدفاع الجوي السوري الصاروخية من العديد من أنواع المحطات الصاروخية (سوفيتية فقط)، سواء القديمة (سام 2 و سام 3 و سام 6)، أو أنواع أحدث مثل (بوك و البنتسير) وغيرها، وتحتوي أنواع أخرى متعددة، إضافة للصواريخ المحمولة على الكتف  مثل (ستريلا و ايغلا)، وقد حاول النظام الحصول على نوعيات أحدث مثل s300 لكنه فشل.

في حقيقة الأمر حتى تقوم الطائرات الأمريكية بأي عمليات فوق شرقي سوريا لن تحتاج لتدمير أي جزء من هذه المنظومة (فعلياً)، فهي غير قادرة بشكل جدي على استهداف الطائرات الأمريكية التي تطير شرق سوريا بطريقة فعالة، وهذا عائد لبنية هذه الشبكة الدفاعية الموروثة من اعتبار أن التهديد الأساسي يكمن جنوب سوريا وغربها، فتشكل هذه الشبكة نموذج  قوس دفاعي تم تجهيزه بعدد كبير من البطاريات في القسم الغربي فقط من سوريا، ومقابل مرتفعات الجولان ويمتد من درعا فدمشق فحمص فالساحل فحلب، حيث يتركز أكثر من 95 % من المنظومة، مع وجود عدة محطات في القسم الشرقي من سوريا لا تغطي سوى قسم صغير جداً من المساحة الشاسعة للمنطقة (مدينة دير الزور ومطارها العسكري فقط)، فجزء كبير من شرقي سوريا غير مغطى اطلاقاً بأي شكل من أشكال الدفاع الجوي، وهي المنطقة التي ستعتبر مسرحاً لأي عمليات للطائرات الامريكية، اضافة لتأثير المعارك الدائرة مع الجيش الحر الذي دمر الكثير من قدرات الدفاع الجوي لدى النظام.  

أفضل ما لدى النظام كقدرة تغطية ومدى هو (سام 5 أو  s200) الذي يعتبر من منظومات الدفاع الجوي بعيدة المدى، ولديه منه ما يعادل لوائين، ونشرت في حمص و الضمير ومقر قيادة ثالث في جبل المانع، حيث كان يوجد في سوريا قبل الثورة خمسة مواقع لبطاريات سام 5، و يبلغ مداه حوالي 250 كم و بارتفاع حتى 35 كم، وتبلغ منطقة تغطية البطاريات الموجودة في حمص محافظة حمص كاملة، وأجزاء من ريف الرقة ولبنان.. فعليا هو النوع الوحيد الذي يغطي المناطق التي يتوقع أن يحلق فيها الطيران الأمريكي، وهي النوعية الوحيدة التي تحتاج أمريكا لتعطيلها فعلياً.

اضافة لبطاريتي (كفادرات –سام6) تحميان دير الزور التي تحتوي قيادة المنطقة الشرقية، ومطارها كما أسلفنا (دمر الجيش الحر لواء صواريخ دفاع جوي شرقي دير الزور خلال معاركه مع النظام سابقاً).

أما باقي الأنواع و المواقع فلن تشكل أي تهديد يذكر، كونها خارج مسرح العمليات تماماً، ولن تضطر الطائرات الأمريكية للطيران ضمن مجالها الفعال (لكن قد يقوم النظام بنقل عدد من بطاريات الدفاع الجوي لديه إلى مناطق مثل مدينة الحسكة أو القامشلي، أو حتى مطار دير الزور، لكن لن يغير هذا العمل أي شيء فالنتيجة لن تتغير كثيراً، و سيتم تدمير أي بطارية ينقلها أو سيتم تعطيلها على أقل تقدير مع أن نقله لأي بطاريات مستبعد جداً).

تحتوي شبكة الدفاع الجوي على 22 رادار إنذار مبكر، ونصيب المنطقة الشرقية ثلاثة منها فقط، تم تدمير أحدها وهو الذي كان موجود في مطار الطبقة، وتبقى اثنان أحدهما في دير الزور و الأخر في الحسكة.

اضافة إلى قدم التجهيزات وانخفاض مستوى تدريب العناصر، تعاني شبكة الدفاع الجوي السوري من مجموعة من المشاكل الهيكلية والبنيوية، أولها المركزية الهائلة لتسيير هذه الشبكة، وطبيعة شبكة الاتصالات المرفقة بها، وسهولة التشويش عليها أو ايقافها تماماً بتدمير بعض عقدها فقط، وطبيعة تسلسل تدفق المعطيات والأوامر عبر سلسلة القيادة و بطئه الشديد، وطول فترة الاستجابة بين ظهور تهديد واتخاذ الاجراءات المضادة له، اضافة إلى تثبيت معظم مكونات هذه المنظومة في مواقع محددة منذ فترات طويلة، وتوافر معطيات دقيقة عن مواقعها وانتشارها لدى الجيش الامريكي، وشبه استحالة المناورة بالكثير من مكوناتها بسبب سيطرة الجيش الحر على الكثير من المواقع المحيطة بمواقع انتشار هذه البطاريات (معظم البطاريات ومقار القيادة والعمليات والاتصالات ثابتة أصلا)، وحتى تناقص الكادر المدرب بشكل كبير بسبب اهتمام النظام بتأمين العناصر في مواقع أخرى أكثر أهمية من وحدات الدفاع الجوي الصاروخية تحديدا، لعدم امكانية استخدامها في المعارك ضد الجيش الحر، اضافة لقدم هذه المحطات بشكل كبير وحصول الأميركان على معظم مواصفاتها الفنية والتشغيلية، ما يجعل معرفة نقاط ضعفها وتحييدها أمرا سهلاً جداُ.

فلو قررت أميركا تدمير هذه المنظومة أو جزء منها أو تعطيلها، فسيتكرر مشهد البقاع 1982 لكن على نطاق أوسع، حيث يستطيع الطيران الامريكي استهداف هذه المواقع من خارج مداها الفعال بحكم امتلاكه لأنواع من الصواريخ المضادة للرادارات ذات مدى كبير مثلاً كصواريخ (هارم) HARM، التي يبلغ مداها 150 كم (ضعف مدى صواريخ سام 2)، واستهداف مراكز القيادة والسيطرة للكتائب والبطاريات والألوية، بصواريخ جوالة وسيتعطل قسم كبير من شبكة الدفاع الجوي قبل أن تبدأ الأوامر بالاستجابة، علماً أن الفرق التقني خلال حرب 1982 لم يكن كبيراً جداً، أما الآن فالفجوة التقنية هائلة بين تقنيات منظومة الدفاع الجوي للنظام، والإمكانات التقنية للجيش الأمريكي.

مشكلة شبكة الدفاع الجوي السوري الحقيقية ليست قدم التجهيزات أو سوئها، بل العقلية التي تحكم طريقة استخدامها، والعقيدة القتالية التي انتهجها النظام خلال عقود حكمه، فقد اسقط الصرب عدداً من طائرات الناتو باستخدام نفس النوعيات من الاسلحة، لكن بطرق وتكتيكات مطورة (إسقاط طائرة f18 بصاروخ كفادرات سام6 وطائرة شبح f117 بصاروخ سام 3).