أخبار الآن | حلب – سوريا – (ورد العلي)

ندى.. حالُها كالكثير من أطفال سوريا في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، طالتها وعائلتها طائرات الأسد، منذُ ما يقارب الستّة أشهر في مدينة حلب (الحيدريّة)، ليخطف ذاك البرميل المتفجر منزلها، ووالدتها، وشقيقها الأكبر، وتبقى مع والدها واختها نجوى في إحدى المشافي الميدانيّة تتلقّى العلاج.
 
لم تعي ندى في بداية الأمر ماذا خَسِرَت هي الأُخرى، إلا بعد 15 يوماً، حين أتى الطبيب ليرفع الضماد عن عينيها فلا تبصر النور من بعد ذلك.. ذات التسع سنوات باتت فاقده للبصر (عمياء)، مع تشوّه في العينين، ولا أمّ لها لتبصر الدنيا من خلالها.

لم يستطع والد الطفلتين إبقاءهم تحت القصف اليومي في حلب، فقرر النزوح إلى مدينة الرقة بحثاً عن الأمان لطفلتيه، وعن طبيب جراّح لندى علّهُ يجد العلاج لها لديه.. بعد قدومه للمدينة بعدّة أيام بدأ بالبحث عن أطباء العيون، والجواب واحد لديهم جميعاً (حالةُ ندى ميؤسٌ منها) ولا أمل في استرجاع البصر لعينيها مرّة أُخرى، هكذا أراد ببراميله المتفجرة طبيب العيون بشار الأسد.
 
يروي والد ندى الأحداث التي يمرُّ بها وطفلته لأخبار الآن قائلاً: "لو أنّه لا يوجد تشوّه في عينيها كان البلاءُ عليها أخف، لكن وبسبب ذلك التشوّه لم يعد الأطفال يتقبلوها بينهم للعب معهم، فتأتي في كلّ مرة إلي تريدُ البكاء بسبب خوف أقرانها منها".. ويضيف: "قبل مدّةٍ قصيرة أخذتها إلى طبيب أترجاهُ ليجد لي حلاً لمنظر تشوّه عينيها فقط، فأشار أنّه وفي حالة ندى يمكن استبدال العينين، لكنها لن تستفيد منهما في شيء سوى تحسين شكلها، تألمتُ في بداية الأمر عند سماعي ذلك، ولكنّي فرحتُ أيضاً لأجلها، علها تستطيع اللعب مع أصدقائها دون أن يخافوا منها، ويفرّوا هاربين".

وعن تكلفة العملية "التجميلية" يقول والد الطفلة: "سألت الطبيب عن تكلفة العملية،فأجابني: ستكلفك ما بين الـ600 أو الـ700 ألف ليرة سوريّة، لذلك أنصحُك بشراء نظّاره بـ600 ليره لندى وتحسّب ربّك بمن كان السبب". يُكمل والد الطفله فيقول: "لا ألوم الطبيب على ما قاله، فقد عَلِمَ من ثيابي وطفلتي ما هو وضعنا المادي، نحن خرجنا من حلب بما علينا من ثياب.. لكنّي ألوم ذلك الذي أصرّ على البقاء رئيساً على شعب هجّر ما هجّر منه، وقتل، واعتقل، وشوّه بإجرامه نصفهُ، وألومُ أولائِكَ الذين انتخبوهُ ورقصوا وابتهجوا عند نجاحه على دمائنا".
 
يتسائل والد ندى وقد امتلأت كلماته بالقهر: "هل يا تُرى لو أن أحد هؤلاء المبتهجين لنجاح سفاحهم طالتهُ قذيفه أو صاروخ وابتلاهُ الله كما ابتلاني بفقد زوجتي وابني الوحيد وعيني طفلتي ومنزلي هل كان ليرقص فرحاً؟".

ويختم بالقول: "في كل يوم أرى فيه ندى أمامي أتمنى لو أني فقدتُ نظري عوضاً عنها، حتى لا أرى ما وصلنا إليه اليوم، لكن لا مجال لرد مشيئة الله، وليس لي إلا أن أعمل بنصيحة الطبيب فأتحسّب ربي هو نعم الوكيل على ذلك القاتل ومن والاه".

لا سبيل لتبصر ندى النور من جديد، والمؤلم أن آخر ما شاهدته كان دمار منزلها، ودماء والدتها وأخيها.. حياة هؤلاء ربما تكون تفاصيل صغيرة تضيع وسط مشهد إجرام الأسد المرعب والمستمر لأكثر من ثلاث سنوات، لكنها بالتأكيد تفاصيل مأسوية لأصابها.