أخبار الآن | دمشق – سوريا – (الشرق الأوسط) 

هبطت العملة السورية إلى أدنى مستوى لها خلال اليومين الماضيين ووصل سعر صرفها أمام الدولار إلى 230 ليرة. ويأتي هذا الانخفاض في ظل الأزمة الراهنة في سوريا، وتدني دخول العملة الاجنبية الصعبة في المصارف العامة والخاصة. فضلا عن استزاف الموارد الطبيعية الذي انعكس سلبا على الانتاج والاستيراد والتصدير. 

ويرى اقتصاديون أن الاقتصاد السوري على شفا الإنهيار بعد خسارة النظام لآبار النفط بالكامل، وخروج السلة الغذائية من سلطة ادارته المركزية في شمال وشرق وجنوب البلاد.

هبط سعر صرف الليرة السورية خلال اليومين الماضيين، إلى أدنى مستوياته منذ استقلال سوريا، بعد وصول سعر صرف الدولار الأميركي إلى 230 ليرة سورية، ما يشير إلى انهيار وشيك للعملة السورية التي لم تنقذها الإجراءات الحكومية، وكان آخرها ضخ الشريحة الثانية من المبلغ المخصص للتدخل في سوق الصرف، والبالغ 65 مليون دولار، ومحاولة سحب الكتلة النقدية المتداولة في السوق اللبناني، رغم أنه إجراء غير قانوني «ومستحيل»، كما يرى خبير اقتصادي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط».

ويأتي هذا الانهيار في ظل تدني دخول العملة الأجنبية الصعبة إلى البلاد، نتيجة الحرب الدائرة منذ نحو 4 سنوات، والتي منعت السياح الذين عادة ما يضخون العملة الصعبة، من زيارة سوريا، إضافة إلى انعدام الثقة بالاقتصاد السوري، وعدم وجود احتياطيات بالعملة الأجنبية، واستنزاف الموارد الطبيعية للبلاد، حيث توقف الإنتاج والاستيراد والتصدير.

ويرجع رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا والخبير الاقتصادي السوري أسامة قاضي، انهيار العملة السورية إلى «عدم إمكانية الاقتصاد السوري تجاوز ربع ما كان ينتجه من سلع وخدمات قبل الأزمة، وخروج السلة الغذائية السورية من سلطة الإدارة المركزية للنظام السوري في المحافظات الشمالية والشرقية وكذلك درعا في الجنوب، إضافة لخروج آبار النفط بالكامل خارج سيطرة النظام السوري. مشددا على أن «كل ما سبق من وضع اقتصادي مأساوي غير مسبوق في تاريخ سوريا، يهدد الليرة السورية بل الاقتصاد السوري كله بالانهيار».

ويحاول البنك المركزي تقليص الفجوة بين سعر صرف السوق السوداء والسعر الرسمي عبر الخفض التدريجي لقيمة الصرف في النشرات الرسمية، إضافة إلى القيام بجلسات تدخل بين الحين والآخر لضخ الدولار في السوق وبيعه لشركات الصرافة.

وأشار قاضي إلى أن الظرف الداخلي للأزمة السورية «لم يكتفِ بالضغط على العملة المحلية على مدى 4 سنوات، بل جاءت العقوبات الاقتصادية
على روسيا وانخفاض أسعار النفط لتؤثر في أكبر داعمي النظام، حيث أثر هذا الظرف بشكل بالغ على روسيا بالدرجة الأولى وإيران بالدرجة الثانية»، وبالتالي «كان لا بد للبلدين أن يخفضا من دعمهما للنظام السوري، مما كان له انعكاسات سلبية على قيمة الليرة السورية التي تجاوزت رسميا سقف الـ200 ليرة سورية وهي الأدنى في تاريخ سوريا».

وأعلن مدير البنك المركزي أديب ميالة أول من أمس، خلال جلسة تدخل نوعية عن إلزام شركات الصرافة بشراء مبالغ تتراوح بين 300 و500 ألف دولار، ومكاتب الصرافة بشراء مبالغ تتراوح بين 100 و200 ألف دولار بسعر صرف 215 ليرة للدولار، على أن يصار إلى بيعه للمواطنين ولكل الأغراض التجارية وغير التجارية بالسعر نفسه.

ورأى القاضي أنه «مع الظروف القاهرة التي تعيشها سوريا، لا يمكن لسياسة ضخ عملة أجنبية في السوق أن تؤتي أكلها، وهي ربما قد أجلت الانهيار التام للعملة المحلية التي خسرت أكثر من 80 في المائة من قيمتها ولكنها لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، وما دام أن النظام مصر على طريقته في التعاطي مع الأزمة فإن العملة السورية والاقتصاد السوري سيتعرضان للأسف لانهيار كارثي وشيك».

وكان حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة، اتهم أسواق بيروت بـ«المضاربة على العملة السورية»، معلنا نية المصرف المركزي السوري توسعة نطاق إجراءاته التدخلية في السوق اللبنانية، عبر سحب الكتلة النقدية بالليرات السورية المتداولة في سوق بيروت، بما يتيح ضبطا أكثر فعالية لحجم المعروض من الليرات السورية المتداولة في تلك السوق، و«التي يجري توظيفها كأداة مباشرة للتأثير سلبا على سعر صرف الليرة السورية»، كما زعم ميالة.

ورفض الخبير الاقتصادي اللبناني وليد بو سليمان هذه المزاعم، مؤكدا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «فقدان العملة السورية لقيمتها، لا يمكن أن تكون نتيجة للمضاربات في لبنان، لأن العملة السورية المتداولة في لبنان، ليست كتلة وازنة كي تضغط على سعر صرف الليرة السورية، مقابل حجم انتشار العملة في سوريا».

وقال بو سليمان إن هذا الإجراء «مستحيل تنفيذه»، لأن المصرف المركزي السوري «لا يمتلك سلطة قانونية لتنفيذ ذلك». وأشار إلى أن قرار المصرف المركزي السوري بالتدخل في السوق اللبنانية: «يتضمن مطالبة لبنان بتنفيذ ضغط على المصارف اللبنانية بهدف التخفيف من المضاربة على العملة السورية وتوقف التعامل فيها، علما بأن المصارف اللبنانية لا تضارب ولا تتعامل بالعملة السورية، بسبب العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على سوريا، ولبنان يلتزم فيها»، لافتا إلى أن «التبادل بالعملة السورية مقابل الدولار يتم عبر مؤسسات الصيرفة وليس عبر المصارف اللبنانية».

ويشمل تدخل المصرف المركزي السوري، الرغبة بأن تصبح المصارف اللبنانية في سوريا خاضعة لوصاية المصرف المركزي السوري. ويوضح بو سليمان أن «المصارف اللبنانية في سوريا هي مصارف قائمة بحد ذاتها، ولها تراخيص مستقلة من المصرف المركزي السوري، ولا ترابط بينها من الناحية التنظيمية والقانونية بفروعها اللبنانية»، مشيرا إلى أن المصرف المركزي السوري «يحق له بسط السلطة والوصاية ولجان المراقبة على المصارف القائمة بسوريا، إنما المصرف المركزي بسوريا لا يستطيع فرض سلطته على المصارف الموجودة في لبنان».

واتخذ المصرف المركزي، في الفترة الماضية، عدة إجراءات لرفع الليرة أمام الدولار بعد أن هبطت لمستويات قياسية مؤخرا، أهمها عقد عدة جلسات تدخل في سوق الصرف لخفض سعر صرف الدولار والقيام بحملة لملاحقة الصرافين النظاميين ممن يخالفون وغير النظاميين.