أخبار الآن | دمشق – سوريا – (تالا جابر)

شهدت الليرة السورية خلال الأعوام الفائتة تقلباتٍ حادة في سعر الصرف، أرخت بظلالها الثقيلة على الحياة المعيشية بالنسبة للمواطنين، ومع كل انخفاضٍ في سعر الليرة يعتقد كثيرون أن ساعة الحسم الاقتصادي قد اقتربت لكن الوقائع النقدية تثبت أن النظام هو أبرز المضاربين على الليرة وأهم المستفيدين.

وقبل الدخول في تحليل سلوك السلطة النقدية تجاه سعر الصرف لا بد من الإشارة إلى أن معدل ارتفاع الدولار أمام الليرة خلال السنوات الأربع الماضية بلغت ما يقارب 450% وهي النسبة التي تعبر عن مستوى ارتفاع سعر الصرف من 47 ليرة للدولار الواحد في العام 2011 إلى السعر الحالي وهو 260 ليرة للدولار الواحد.

ويستمر النظام بالحصول على دعمٍ ماليٍ من قبل الحلفاء، يمدونه بالقطع الأجنبي مثل إيران والعراق قبل دخول داعش إليها، وأيضاً روسيا، علاوةً على العملات الأجنبية القادمة من المعارضة والتي تجد طريقها بشكلٍ أو بآخر إلى خزينة النظام، لا سيما وأن هذه الأموال يتم تصريفها وتحويلها إلى العملة المحلية داخل سوريا.

وفي سياق المقارنة بين الأرقام يشير خبير اقتصادي فضل عدم ذكر اسمه إلى أن الرواتب والأجور كانت قبل الثورة حوالي 300 مليار ليرة سورية أي ما يقارب "6 مليار دولار على سعر الدولار 47 ليرة"، أما اليوم وبالرغم من ارتفاع كتلة الرواتب والأجور بعد الزيادات المتتالية ووصولها إلى ما يقارب 600 مليار ليرة سورية لكنها لا تتجاوز 2 مليار دولار قياسا على سعره الذي يقدر اليوم بـ 265 ليرة لدولار.

كتلة الرواتب والأجور ارتفعت بالليرة لكنها فعلياً انخفضت بالدولار، وهنا يؤكد الخبير الاقتصادي أنه من خلال هذا الرقم يمكن قراءة سلوك السلطة النقدية تجاه سعر الصرف، حيث حافظت على اتباع سياساتٍ محددة أثبتت فشلها في تحسين وضع الليرة، لكنها في الحقيقة كانت كفيلة بتحقيق مكاسب بالعملة المحلية.

أحد العاملين في سوق الصرافة يؤكد أن مصرف سورية المركزي لم يعد يمارس الدور المنوط به وهو الحفاظ على استقرار سعر الصرف، إنما دخل في السوق كأحد المضاربين واستطاع جني المكاسب.

ويدلل الصراف على كلامه بالإشارة إلى أن السيناريو ذاته يتكرر مع كل ارتفاعٍ للصرف حيث يشهد الدولار ارتفاعًا مفاجئا أمام الليرة، غالباً لا يكون له مبرر نقدي وأيضاً من دون وجود أي جديد على الساحة الميدانية أو السياسية، ويقول الصراف: "معظم الناس تتجه مع بداية كل ارتفاعٍ للدولار إلى ترك الليرة واستبدالها بالدولار خشية ارتفاعاتٍ جديدة لا تترك مجالاً للعودة إلى السعر السابق، لكن عند حدٍ معين نحن كصيرفيين نتوقف عن البيع لأننا نعي أن الدولار سيصل إلى حدٍ معين لكنه سيعاود الانخفاض دون أن يعود للسعر الأصلي".

وويضيف الصراف: "بعدها يعلن المركزي عن تدخلٍ في سعر الصرف يزعم أنه عاجل لكنه غالباً ما يكون بعد أسبوعٍ من تاريخ الطفرة الجديدة لسعر الصرف، ويكون تدخل المركزي من خلال جلساتٍ يجمع فيها شركات الصرافة ويطرح عملات أجنبية للبيع عبر المزادات، ويحدد سعر الدولار أقل من سعر السوق السوداء لكنه أيضاً أعلى من السعر السابق الذي انطلق منه إلى الطفرة، وبالتالي في حقيقة الأمر يكون المركزي قد رفع سعر الصرف بدلاً من تخفيضه".

إلا أن معظم شركات الصرافة تمتنع عن شراء الدولار من المركزي وهو ما لفت الانتباه في العديد من الجلسات السابقة، ليبرر ذلك صراف آخر بالإشارة إلى أن المركزي سبق وداهم عدداً من كبرى شركات الصرافة وصادر ما لديها من الدولارات بحجة أنهم يتلاعبون بسوق الصرف، لكن حقيقة الأمر أن هذه الدولارات بالأصل مصدرها هو المركزي، لذلك نحن كشركات صرافة نمتنع عن شراءها من المركزي لأننا قادرون على تأمينها بطرقٍ أخرى وبأسعارٍ أرخص من سعر المركزي".

 ووفقاً للسيناريو السابق يؤكد الصرافون أن المركزي يكون بذلك قد حقق أرباحاً بالعملة المحلية يستطيع من خلالها حل جزء لا بأس به من مأزق الخزينة نتيجة قلة الموارد بعد شح المطارح الضريبية وتوقف الإنتاج.

وبعد كل تقلبٍ في سوق الصرف يتغير الحال في سوق السلع وتشهد الأسواق ارتفاعاتٍ قياسية للأسعار، أيضاً تعود بالفائدة على النظام ولا توجع أحد إلا المواطن، فالسلع ترتفع دون أي تحسنٍ في النوعية أو الجودة أي أن التكلفة الحقيقية تبقى على حالها، وبالتالي سيكون التضخم منفذاً لجني الأموال دون وجود تكاليف إضافية على المنتج ونتحدث بشكلٍ خاص على سلع القطاع العام، ولا بد هنا من الإشارة إلى أن المؤسسات الاستهلاكية والتي لطالما يعلنها النظام أنه ذراعه للتدخل الإيجابي في الأسواق ومساعدة المواطنين على إيجاد السلع بالسعر الأمثل كانت أول المبادرين إلى رفع أسعار العديد من المنتجات منذ بداية الثورة.

وفي النتيجة فإن الخاسر الأول من انخفاض قيمة الليرة وانهيارها هو المواطن الذي اعتاد على مواجهة ارتفاع سعر الصرف بمزيد من تآكل قوته الشرائية كضريبةٍ إجبارية يدفعها لصالح المضاربة أو المقامرة التي تدخل بها السلطة النقدية ومن خلفها النظام لجني الأرباح وتحقيق الموارد.