أخبار الآن | عنتاب – تركيا – (سيف الدين محمد)

بين شطري حلب حكايات فرار وهروب يومية لا تنتهي. قُسّمت مدينة حلب كما المدن التي أصابتها لعنة الحرب، وبحسب كل شطر من المدينة على اتجاه سياسي وعسكري. وإذا كانت المدن المقسمة قد تم اختيار قاطنيها بملء إرادتهم في الانتماء إليها، فإن لحلب حكاية أخرى. فقد وجد الحلبيون أنفسهم، فجأة، واقعين في خندقين قسرا، لا سيما من بقي في حلب المسيطر عليها من قبل النظام.

حلب بين خيارات الهرب ..
تعيش مدينة حلب، بقسميها الغربي والشرقي، على "خط رعب" يومي منذ أن بدأت العائلات تحسم خياراتها باتجاه اختيار الاستقرار في أحد القسمين أو الهروب خارجها.

تتسارع الأحداث وتتغير موازين القوى بشكل بات على غالبية أهالي حلب حسم قرار الاختيار بين شطري المدينة، خصوصا مع تتالي تحرير المناطق المحيطة وخصوصا مدينة إدلب ومؤخرا جسر الشغور.

تقول "أم مخلص" التي قدمت مع أولادها إلى تركيا حديثا بعد اختفاء زوجها: "صارت مخاوفنا كبيرة بعد خسارة النظام لإدلب، والناس هناك تتوقع تصفيات وقتل إذا ما تقدمت الثوار واضطرت قوات النظام إلى الانسحاب"، وتتابع: "هناك عائلات بكاملها تحاول الخروج كل يوم".

النظام والأقليات ..
ويبدو أن أهالي حلب قد انقسموا على أنفسهم، ولعب الانتماء الديني دوره في خيار البقاء أو الخروج من المدينة. وفي هذا يقول "أبو محمد عبده" من حي القاطرجي: "اشتغل النظام على تخويف الأقليات الدينية وأصحاب رؤوس الأموال، فاختار المسيحيون والأرمن وعدد من التجار البقاء تحت سيطرة النظام معتقدين أنه يحميهم وهو في الحقيقة يستغلهم". أبو محمد الذي قام بزيارة لدمشق وعاد منذ يومين إلى عنتاب يؤكد أن: "النظام سوف يترك هذه الأقليات ويهرب حين يأتي وقت المعركة، وأن عليهم أن يختاروا من الآن الانسحاب من ظله".

شباب يهربون من الموت ..
لا تقتصر يوميات الهجرة والهرب على العائلات فقط، بل يبرز بشكل خاص تلك المحاولات الخطيرة التي يقوم بها الشبان، ممن هم في سن الخدمة العسكرية، للنجاة من الخدمة الإلزامية أو تعبئتهم كاحتياط للجيش، وهو ما يعني في كلتا الحالتين الموت.

بضع ساعات تبدو قليلة للخروج، لكنها في واقع الأمر مدة كافية للموت قنصا أو الاعتقال والسوق للخدمة العسكرية، لاسيما مع تكرار حالات التدقيق على الشباب ممن هم في سن الخدمة والاحتياط وسوقهم للجيش والزج بهم في القتال وأتون الموت.

منذ شهرين هرب "ز. ط" الخريج الحديث من قسم اللغة العربية إلى مرسين ثم عنتاب، والسبب كما يقول: "الخوف من السوق إلى الخدمة العسكرية هو من جعلني أغامر بالانتقال إلى حلب الشرقية ومنها إلى هنا. الخدمة العسكرية تعني الموت لأن النظام يدفع الشبان إلى خطوط المواجهة دون تدريب وليكونوا مشاريع قتلى. لقد اختفت أخبار بعض الشبان وأعتقد أنهم قد ماتوا".

متى تتوحد حلب؟..
وبعيدا عن ذلك يرى الكثير من الشباب الحلبي الموجود في تركيا أنه وبمجرد تحرير حلب وعودتها موحدة فإنهم سوف يعودون ويبدأون في إعمارهها من جديد. يقول "محمد أبو فراس" الحلاق الذي يعمل في مدينة عنتاب: "عندما تعود حلب سوف نعود معظمنا ونبنيها من جديد. حلب جنة حتى ولو وجدناها مدمرة، وواجبها تجاهنا بأن نمسح عنها غبار نجس النظام".