أخبار الآن | السويداء – سوريا – (تالا جابر)

"نقل مقتنيات أثرية من متحف السويداء إلى جهة مجهولة" ليس خبراً جديداً على المحافظة السورية، لكن توقيته يبدو مثيراً للتساؤلات لا سيما أنه يتزامن مع أنباءٍ عن نقل أموالٍ من فرع مصرف المركزي في المحافظة.

وكالة أنباء النظام "سانا"  سارعت إلى نشر تكذيبٍ للخبر على لسان كل من رئيس دائرة آثار السويداء، ومدير فرع المركزي هناك، في حين أكدت مصادر مطلعة من المحافظة صحة الخبر.

بعض المهتمين في شؤون الآثار سارعوا بعد هذا الخبر إلى زيارة المتحف، ويؤكد لنا أحدهم والذي فضل عدم ذكر اسمه أن المقتنيات الأثرية المعروفة ما زالت في المتحف، لكن ككل المتاحف هناك بعض المقتنيات يتم عرضها والبعض الآخر مخبأة.

من جانبها عضو اتحاد تنسيقيات الثورة نورا الباشا أكدت الخبر وأشارت إلى أن مقتنيات من البرونز وغيرها تم نقلها بالفعل من متحف السويداء، وأيضاً تم نقل الأموال من فرع مصرف سوريا المركزي، التي اعتبرت أن النظام الآن يحاول سرقة ما يمكن سرقته ونقلها إلى الساحل، وتعتبر الباشا أن النظام الآن يلفظ أنفاسه الأخيرة.

وإن صحت الأنباء فلهذا الخبر دلالاته، ذهب بها البعض إلى حد اعتبارها اقتراب نهاية النظام، كما يرى الأكاديمي السوري الدكتور فايز القنطار ويضيف: أن اختفاء مقتنيات أثرية وأرصدة البنوك من معظم المدن السورية ونقلها  إلى اللاذقية، تحمل دلالات  مهمة  تعبر عن شعور أركان النظام  باقتراب النهاية، وشعورهم بالإحباط وفقدان الأمل بعد التراجع السريع للنظام على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

ويضيف القنطار أن الوضع الاقتصادي ينذر بالخطر وحتى أنصار النظام ضاقوا ذرعاً بحجم الضائقة المعيشية وتدهور قيمة الليرة وغلاء الأسعار، كما أن الهزائم العسكرية الأخيرة التي مني بها النظام في الشمال والجنوب أدت إلى تدهور الروح المعنوية لعسكرييه ومدنييه.

ولأن الأخبار تحدثت عن نقل هذه الأموال والمقتنيات الأثرية إلى منطقة الساحل معقل النظام، فيعتبر القنطار أن هذا يؤشر إلى انتقال النظام إلى خط الدفاع الأخير وتطبيق الخطة الإيرانية التي تتضمن الانكفاء إلى الساحل اذا تعرض للانهيار في باقي المناطق وهو الآن يستبق هذه الخطة بنقل ما تبقى من الثروات الحضارية والمالية إلى "دويلة الساحل" التي ستحميها إيران لتضمن تواصلها مع دولة حزب الله في لبنان مما يمكن المصالح الإيرانية في الإطلال على البحر المتوسط.

بالرجوع قليلاً إلى الوراء سنجد قصةً لآل الأسد مع الآثار وهي التي يشير إليها القنطار الذي يقول: "يعود اهتمام آل الأسد باللقى الأثرية والمال إلى عهد بعيد، يسبق "الحركة ألتصحيحية " المشؤومة، ففي عام 1968 قام سيء الصيت "رفعت الأسد" شقيق وزير الدفاع آنذاك "حافظ الأسد"، قام بالتنقيب عن الآثار في مقبرة أسرة رئيس الدولة، امعانا في الاستفزاز، شكل هذا التعدي مؤشراً يعلن طبيعة النظام الأسدي القادم وتناقل السوريون الكثير من أخبار سرقة الآثار التي اختص بها رفعت.

ويضيف القنطار "بعد اغتصاب حافظ الأسد السلطة في عام 1970 بدأ النهب المنهجي لثروات البلاد. وكان رفعت سباقاً في نهب التراث الثقافي – الحضاري مستخدما أسلحة "الدمار الشامل" أي البلدوزرات والآليات الثقيلة في التنقيب عن "الذهب" واللقى الثمينة، وشهدت الكثير من المواقع الأثرية تخريباً منهجياً وكل أنواع العبث والتدمير.

وفي مراحل لاحقة أصبح تهريب الآثار من شأن عصابات إجرامية تتمتع بتغطية من أجهزة الأمن التي كانت تغطي على عمليات التنقيب والتهريب خارج الحدود، كما يقول القنطار.

ورغم الآراء العديدة التي تحدثت عن اقتراب نهاية الأسد، إلا أن هناك من يعتبر أن نقل الآثار والأموال من محافظة السويداء له مؤشرات مختلفة، كما يقول الخبير الاقتصادي الدكتور عماد الدين المصبح، حيث يشير إلى أن النظام أو بعض مؤسساته لديها تخوفات من دخول داعش أو الجيش الحر في الجنوب إلى السويداء ويسيطر على المدينة وبالتالي، من خلال هذا لإجراء، يعتقد بأنه سيحرم الثوار من إمكانية الاستفادة من الأموال في فرع المركزي في السويداء ومن الآثار في متحفها.

الآثار الموجود في متحف السويداء تشكل ثروة هائلة في السوق الدولية، وبالتالي يمكن أن تشكل موردا مالياً ضخماً.

ويضيف المصبح أن النظام يريد الإيحاء لمؤيديه وللمجتمع الدولي أنه بريء من تخريب التراث السوري عبر لعبة نقل هذا التراث إلى مكان آمن وربما هو طرطوس أو اللاذقية، أيضاً بحسب التسريبات.

ويعتبر الخبير االاقتصادي أن فحوى الرسالة التي يبعثها النظام إلى أهالي السويداء هي أن الخطر آت لا محال وبالتالي عليكم التسلح استعداداً لمواجهة التهديدات، لا سيما بعد فشله في زرع الفتنة بين السهل والجبل، فهذه هي فرصته الأخيرة لجر السويداء إلى مستنقع الحرب الأهلية.

ولسان حال النظام في هذا الموضع حسب المصبح يقول "ها نحن نرحل الممتلكات السيادية الأساسية (المال والآثار) وإن شئتم فنحن مستعدون لتسليحكم لكي تدافعوا عن أنفسكم"

لكن ما مصير هذه المقتنيات هل سيقوم النظام ببيعها فعلاً؟، سؤال يجيبنا عليه المصبح بالنفي لأن غاية النظام الآن هي تلميع صورته، فالأهداف إعلامية بحتة وربما يشهد على عمليته هذه بعض من دوائر الأمم المتحدة المختصة بهذا الشأن (اليونيسكو والإسكوا) عبر النائب الاقتصادي السابق عبد الله الدردري.