أخبار الآن | السويداء – سوريا  (تالا جابر)

جبهة عريضة وعينان خاويتان، وجه لا حياة فيه وخلفه حكايات موتٍ لملايين السوريين وحكاية أخرى لوطن، تمثال توزع على طول البلاد وعرضها بقي جاثماً على صدور السوريين طيلة عقود، وحين كسروا حاجز الخوف حطموه وصاحوا به أن يرحل.

هذا ما حدث في المحافظات السورية الثائرة حطموا تماثيل الطاغية، معلنين لحظة خلاصهم وولادتهم من جديد، مشاهد التحطيم تلك لا تخلو من مظاهر فرحٍ ومشاعر انتقامٍ من دكتاتور عبر صنمه، لكن في السويداء المشهد مختلف فخلسةً ينزل التمثال عن العرش، وخلسةً يسقط النظام، وخلسةً تمتلئ الجدران بعباراتٍ مناهضة له، وبهدوءٍ تخرج المظاهرة أو الاعتصام وتنتهي بضوضاء.

ساحة طريق عرمان في بلدة صلخد في الريف الغربي من السويداء والمحاذية لدرعا، سقط فيها تمثال الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، حيث استيقظت الأجهزة الأمنية على عرشِ خالي من دكتاتور، والفاعل ما زال مجهولاً، ووضعوا مكان التمثال أعلام النظام.

ليس الحدث الأول من نوعه ففي العام 2012 أقدم أحرار البلدة ذاتها على إعدام أحد التماثيل البرونزية ليلاً وصرخات التكبير والحرية صدحت وسط عتمة الليل، لم يسمعها إلا هم ومن شاهد الفيديو لاحقاً.

لكن عصام العشعوش وفي العام ذاته فعلها جهاراً نهاراً وأخذ مطرقته الحديدية إلى إحدى ساحات السويداء وطرق على رأس التمثال ووجهه، قبل أن تخفيه الأفرع الأمنية لمدة أربعين يوما ويخرج بعد رحلة التنكيل والعذاب. وكلما وقع حادث في السويداء يظن البعض أن لحظة الانفجار قد اقتربت.

لكن السويداء تخالف كل التوقعات فهي الواقعة كلياً تحت سيطرة النظام تقترب من الثورة حيناُ وتبتعد أحياناً، تسقط النظام على طريقة المناطق المحررة لكنها ليست كذلك، تهدم حواجز النظام في وضح النهار، تحاصر الأفرع الأمنية لإخراج المساقين عنوةً لخدمة العلم، وتحمي من لايزالون في الخارج، تطلب رأس وفيق ناصر رئيس فرع المخابرات العسكرية، وتمتنع عن مناصرة النظام في بصرى، وتحطم التماثيل، وتمتنع عن الصلاة على أي شبيح يقتل خارج أراضي السويداء، لكنها لا تثور.

وكما يغالي البعض بتنبؤاتهم حول اقتراب السويداء من ثورتها، هناك من يذهب بعيداً باحتسابها على النظام، ففيها الشبيحة وفيها من يجد في "الدفاع الوطني" مصدر رزقٍ في محافظةٍ تعاني اليوم من أحوالٍ معيشية سيئة.

وفي السويداء أيضاً أقلية ما زالت مقتنعة بأن النظام يحمي بقاءها، وفيها كتلة كبيرة تريد البقاء على الحياد وتحت هذه الفئة يندرج من يخاف من بطش النظام وجبروته "فالسويداء ليست أغلى من حماه" وهو ما قاله علي مملوك عند انتفاضة أبناء الجبل في العام 2000، وبالرغم من معارضتهم للنظام لكنهم حافظوا على صمتهم، وهناك من أبقى الباب موارباً يعارض النظام خلسةً ويواليه في العلن.

وفي السويداء أيضاً فئة من المعارضين التقليديين والناشطين ممن فشلوا حتى الآن في تحويل نشاطهم إلى حراكٍ شعبي يستقطب الصامتين ويغير قناعة الموالين.

ولعل أكثر الفئات حضوراً واستقطاباً هذه الأيام في السويداء هي مجموعة "مشايخ الكرامة" التي تخطت حراك الناشطين وذهبت بعيداً في معاداتها للنظام، لكنها أيضاً بقيت ضمن إطار حماية الجبل، وحماية السلم الأهلي وحسن الجوار مع درعا الثائرة، وحتى اللحظة تبقى فناجين القهوة المرة في دارة زعيمها "الشيخ وحيد البلعوس" على الطاولات دون أن يكسر فنجان النظام ومؤسساته الأمنية بعد.