أخبار الآن | ريف حلب – سوريا – (جلال زين الدين)

لم يقتصر أثر تنظيم داعش في سوريا سياسيا وعسكريا بل امتد ليشمل الجانب الإجتماعي، فتأثرت الأسرة السورية التي انخرط أبناؤها في التنظيم، وكان الانعكاس الأكبر على الأم التي دفعت ضريبة باهظة على امتداد عمر الثورة.

يقول المحامي مصطفى من ريف حلب الشرقي: "أحدث التنظيم شرخاً عميقاً في الأسرة السورية، فأصبح الأخ يقتل أخاه لاختلافه معه بالتوجه السياسي، إذ حول التنظيم الخلافات السياسية إلى عقائدية" فغدا الابن يكفر أمه وأباه بدعوى الولاء والبراء.

تعرضت الأم السورية خلال الثورة للاعتقال والتعذيب، وترملت بفقد الزوج، وثكلت بفقد الابن، وتألمت لاعتقال أبنائها الذين تجهل مصيرهم، تقول أم مهند من ريف حلب: "اعتقل أمن النظام ولديّ منذ أكثر من عامين لأنه وجد في أجهزتهما صوراً للمظاهرات، ولا نعرف شيئاً عن مصيرهم أحياء هم أم أموات؟" وتعمقت المأساة بمجيء تنظيم داعش.

وتعاني كثير من أمهات المنتسبين للتنظيم من صراع وقلق نفسيين شديدين، فأم محمد من تل رفعت كانت تفاخر بابنها عبد الله، واليوم تخجل من ذكر اسمه أمام جيرانها، تقول أم محمد: "كان لقاؤنا الأخير معه مؤلماً، فقبل خروج التنظيم من تل رفعت جاء مودعاً، فألححت عليه ووالده، ولكنه حسم النقاش بقوله: جئت لوداعكم فقط، ولا تتحدثوا معي حول الاستسلام وإلا فجرت نفسي" حال أم محمد كحال كثير من الأمهات في المناطق المحررة الخاضعة لسيطرة الثوار.

ويهون ألم أم محمد أمام معاناة أم حسن، فابنها حسن مقاتل في الجيش الحر، وابنها محمود مقاتل في التنظيم، وتخشى من أن يقتل الأخ أخاه، تقول أم محمد: " لا أستطيع الدعاء على التنظيم، وأدعو الله أن يعيد شباب التنظيم إلى رشدهم، ويحفظهم من خطر أمرائهم الذين يقودون البلاد نحو الهلاك" وتزور كثير من الأمهات في مناطق الثوار أبنائهن في مناطق التنظيم خفية، تقول أم حسن: "في كل زيارة أحاول إقناعه بترك التنظيم، فيبتسم قائلاً: عجباً لك يا أمي بدلاً من أن تتركي دار الكفر وتعيشي معي، تطلبين مني ترك الإسلام، هداك الله يا أمي".

أما قصص الأمهات في مناطق التنظيم فتتمايز بمقدار تقبل فكر التنظيم في الأسرة، فالأسر التي احتضنت فكر التنظيم لا ترى الأم ضررا من انضمام ابنها، وهناك أمهات رضخن لرغبات أبنائهن نتيجة قسوة الحياة، تتحدث أم جمال عن جارتها النازحة في منبج: "عانت أم علي  كثيراً، وكانت المساعدات تعينها في إعالة أطفالها، ومؤخراً انتسب ابنها (16 ربيعاً) بعد وقف المساعدات للتنظيم فتبدلت حال الأسرة، وتركوا الخيمة" فأم علي ترى أن موت ابنها ضمن التنظيم خير من موتها وأولادها من الفقر.

وتعاني الأمهات في الأسر الرافضة للتنظيم ضغوطاً نفسية نتيجة الخلافات المستمرة، فأبو جاسم من ريف حلب الشرقي الذي انتسب ابنه للتنظيم رغماً عنه، ووصل الخلاف بينهما شوطاً بعيداً أدى أن تعيش أم جاسم أسود أيام حياتها بعد أن قام ابنها بالوشاية بأبيه لأمن التنظيم الذي سجنه، تقول جارتهم: "المسكينة لا تنام، فقد قام الأب بالذهاب لحلب لانتخاب بشار خوفاً من قطع راتبه، واعتبر ابنه ذلك من موالاة الكفار، فوشى بوالده دون أن يلتفت لأنَات أمه".

وأصبح كثير من الأبناء يمارسون سلطة الأب على أمهاتهم وإخوتهم، تقول راما: "أخي المنتسب للتنظيم يفرض علينا سلطته، وكأننا عساكر عنده، فيحدد لنا ما نلبس، ويحدد لنا القنوات التي يجوز مشاهدتها، بل وبيوت أقاربنا التي يصح زيارتها أو الامتناع عنها" وتتابع راما قلق أمها وتضايقها من توعد أخيها الداعشي لأخيها الثائر: "وأكثر ما يضايق أمي توعد أخي لأخي الآخر بالقتل".

وتزداد الآلام عندما يكون المنتسب طفلاً صغيراً تروي أم نوفل قصة انتساب ابنها: "أغروا ابني بداية بحضور معسكراتهم، ثمّ تفاجأت بانتساب ابني لهم رسمياً، وحاولنا للوصول إلى مقر الانتساب دون جدوى فلم  يدلني أحد، وبعدها قالوا لنا أنه في مدينة الباب وذهبنا مراراً، وسمعنا بعدها أنه كان يخضع لدورة شرعية، ولم يقبل العودة للبيت بعد انتهائها خوفا من منعنا له"، تتابع أم نوفل: "كنت آمل رؤيته طبيبا أو مهندسا لا قاتلا في صفوف الدواعش" وتستمر الأم السورية قلعة من الصبر التي تختزن داخلها آلاماً وجراحاً لا تقدر الجبال على حملها.