أخبار الآن | الرقة – سوريا – (عزام الحاج)

عمل "داعش" على توفير الأسباب اللازمة اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً وثقافياً لجذب الفئات البشرية التي يسعى إلى ضمها إلى مشروعه واستخدامها وقوداً في حروبه المحمومة المجنونة على جبهات متعددة وفي آن معاً.

ويؤكد متابعون لشؤون "داعش" في الرقة أن المجموعات البشرية الأولى لتشكيله جاءت أصلاً من بيئات سبق تأثرها بدعاية السلفيتين الدعوية والجهادية. إلا أن ندرة هذه الثقافة في بيئة الرقة ألجأه إلى فئات بشرية أخرى تقع تحت توصيفات وتسميات متنوعة مثل "الانتهازيين" و"أصحاب السمعة السيئة" "والعقارب" و"الجرجية" و"الحوامين" و"الغربتلية" وغيرها من التسميات التي يصعب فهمها خارج السياق الاجتماعي الثقافي المحلي للرقة.

دورات للمنتسبين

القاسم المشترك بين هؤلاء جميعاً هي الأوضاع الاقتصادية السيئة والمكانة الاجتماعية المتدنية التي وجدوا أنفسهم فيها. وبالتالي ضعفهم أمام مغريات المال والسطوة والقوة التي يجلبها الانخراط في "داعش" مما حوَّل المئات منهم إلى طغاة صغار ولصوص كبار ومتسلطين طغاة.

ولأن دوافع هؤلاء للانتساب إلى "داعش" الإرهابي متنوعة ومتفاوتة في قوتها فقد سعى إلى خلق نوع من التجانس الفكري في ما بينهم من جهة وبما يخدم حاجاته منهم من جهة ثانية، إضافة إلى معرفة العقول المدبرة في قيادته إلى ضعف ولاء معظم هؤلاء المنتسبين وطموحاتهم المادية من وراء الانضمام إليه وخدمته.

لجأ "داعش" إلى إقامة دورات شرعية مدتها 15 يوماً لعموم منتسبيه، ناهيك عن التدريب العسكري لهم بقصد القتال. ثم أضاف إليها إجراء "الاستتابة" كطريقة لخلق الثقافة التي يريد نشرها بينهم.

المرجعية الشرعية

ومن أجل تحقيق هذا الهدف قد عمل "داعش" على بث دعاية قوية بين منتسبيه في محافظة الرقة للداعية السعودي "خالد الراشد" كأداة مساعدة في نشر الفكر السلفي والجهادي عامة. والراشد هو داعية سعودي يقبع الآن في السجن تنفيذاً لحكم لمدة 15 عاماً صدر بحقه في العام 2006 في المملكة العربية السعودية. وأفراد "داعش" يستمعون إلى تسجيلاته باستمرار، وخاصة تلك التي تُنمي الشعور بالاضطهاد في نفوس المستمعين وكراهية الآخر المختلف والاستهانة بالحياة وتقبل الموت وتصوير الحور العين.

إلّا أن ما يبدو جاذباً لتعميم تسجيلات هذا الداعية دون سواه هي سيرته الشخصية ومسيرة تحوله إلى داعية أكثر من كل ما عداها من خطب ودروس فقهية قد برع وتفوق عليه فيها دعاة آخرين.

فالرجل سجل في إحدى محاضراته أمام متابعيه سيرة حياته مشدداً على حالة الانتقال من-إلى وقبل-بعد. إذ يصور حياته على أنها انتقال من الاستهتار واللامبالاة والمكروهات إلى "الالتزام"، حسب تعبيره. فقد كان في مراهقته وشبابه لاعب كرة قدم مميز في مدرسته ثم في نادي القادسية السعودي وأخيراً في أندية جامعات أمريكية درس فيها العلوم الجنائية قبل أن يُصاب بكسر في الحوض، ثم يعود للاستقرار في بلاده منذ ذلك الحين. كما كان مدخناً لفترة من شبابه قبل أن تأتيه الهداية أثناء العمرة.

التحوّل إلى قتلة

قد نصدق أن كل ما قام به شاب في مقتبل حياته من "مكروهات"، حسب التقليد السلفي المتشدد، هو لعب كرة القدم والتدخين، وأن التحول عنهما أمر يستحق أن يروى على السامعين، خاصة إن تذكرنا أن الداعية عاش سنوات في الولايات المتحدة الأمريكية. لكن يبدو أن غاية "داعش" من استعانتها بتسجيلات هذا الداعية هي فكرة التحول ذاتها، أو التوبة، وتصحيح المسار بعد التعثر وارتكاب الأخطاء أو المعاصي في العرف الفكري للتيارات السلفية. فترك كرة القدم والإقلاع عن التدخين شكلتا خطوتين في طريق صاعد نحو الشهرة وتحقيق الذات بطريقة مختلفة، أي التحول إلى داعية.

وهكذا فإن فكرة التحول هذه تفتح أمام منتسبي "داعش" فرصة هجر ما كانوا عليه والانتقال إلى حال جديد، فيجد عناصره الجدد فرصة كي يُقلعوا عن تعاطي الحشيش والحبوب المخدرة ويتحولوا إلى أمنيين ومجاهدين في صفوفه، ويجد أصحاب السوابق الجنائية والأخلاقية فرصة مسح ماضيهم المخزي وإعادة تأكيد ذواتهم وبناء مكانتهم بأعين أنفسهم وأعين الناس بالتحول إلى موظفين في أجهزته ومؤسساته.

في هذه أيضاً يستنسخ "داعش" تجربة النظام الأسدي من قبله. إذ أن أجهزة مخابرات النظام الكثيرة والمتنوعة كانت تعتمد على كوادر بشرية هي، في معظمها، من هذه الفئات المهمشة والمستضعفة. أفراد يحولهم امتلاك السطوة والسلطة المطلقة إلى ذئاب قاتلة.