أخبار الآن | درعا – سوريا (سارة الحوراني)

تتفاقم الأوضاع المعيشية والحياتية للأهالي القاطنين في المناطق المحررة من مدينة درعا جنوب سورياً؛ جراء الحرب المسعورة التي يشنها النظام السوري وحلفاؤه على معارضيه، ولعل المرأة في تلك المناطق باتت اليوم "حمالة الأسية" العظمى جراء فقدانها لزوجها ومعيل أسرتها في ظل تلك الظروف القاهرة.

اللجوء إلى الأردن .. والعودة

أم معاذ سيدة في الخامسة والثلاثين من عمرها فقدت زوجها منذ ما يقارب السنة وباتت اليوم معيلة لأسرتها المكونة من 5 أشخاص، تحكي لأخبار الآن قصتها التي تشكل صورة من صور الصمود في بلد أنهكته الحرب وغدا اللجوء حلماً لدى نسبة كبيرة من أهله. تقول:

"منذ بداية الثورة السورية وسيطرة النظام على المنطقة الصناعية فقد زوجي ورشته الخاصة، ومع تفاقم الحرب المستعرة التي تشنها قوات الأسد، أجبرنا على اللجوء إلى الأردن، حيث مكثنا في مخيم الزعتري للاجئين لمدة شهرين لكننا خرجنا منه جراء الظروف المعيشية السيئة إلى مدينة سحاب الأردنية بعد أن عثر زوجي على عمل فيها".

لم يكن المقابل المالي الذي يحصل عليه زوجها كافيا لسد احتياجات الأسرة، حيث توجب عليهم أن يدفعوا أجرة المنزل وفاتورة الكهرباء والماء والصرف الصحي عدا عن الطعام والطبابة والمدارس، الأمر الذي دفع بأطفالها إلى العمل بصحبة والدهم، فيما قررت أم معاذ العمل في المنزل في صناعة المؤونة المنزلية "كالألبان والأجبان والمكدوس والزيتون والمخللات السورية، وبدأ عملها ينتشر بين الجيران شيئاً فشياً، بالإضافة إلى تعاملها مع بعض المحال الغذائية بالمدنية.

أخذت ظروف الأسرة بالتحسن وتضاعفت أجرة أبو معاذ من قبل صاحب الورشة، كما أن عمل أم معاذ أخذ بالازدهار والتوسع وتحسن المردود المالي له، لكن بقي حنين الوطن يجذب خيوط الأسرة إلى العودة وهذا ما حصل فقد عادت أسرة أم معاذ إلى مسقط رأسها في درعا البلد مهد الثورة السورية. تقول:

"منذ لحظة اجتيازنا الحدود الأردنية السورية ردت الروح التي فارقتنا لمدة 6 أشهر قضيناها في اللجوء، عندما وصلنا إلى درعا البلد تجولنا في أحيائها التي كانت قد حررت منذ فترة قصيرة، لا يمكن وصف الشعور مها تحدثت فالكلمات تعجز عن وصف عودة الروح إلى الجسد إنها باختصار الولادة من جديد".

استشهاد الزوج

انضم زوجها إلى إحدى فصائل الجيش الحر في المدينة، فيما بادرت هي إلى شراء كمية صغيرة من الملابس، حيث ادخرت بعض المال من عملها في صناعة المؤونة في الأدرن، وباشرت عملها في بيع الملابس لجيرانها وأهلها، ومع مرور الوقت اتسعت تجارتها قليلاً وأخذ عدد زبائنها بالازدياد، فيما لاقت دعما من أهلها وأصدقائها بالإضافة إلى مواصلتها صناعة الأجبان.

لكن قبل ما يقارب العام وعندما كانت برفقة أولادها في قطاف موسم الزيتون استشهد زوجها جراء إصابته بشظية قذيفة مدفعي أطلقتها قوات الأسد على الأحياء المحررة من مدينة درعا.

 ": لحظة قدوم أخي إلى المزرعة وقبل أن يتحدث أدركت بأن أمر جلل قد وقع وذهب تفكيري مباشرة إلى زوجي، الذي كان قبل ساعة يساعدنا في قطاف الزيتون لكنه ذهب إلى عمله في المدينة لاحقاً، سقط قلبي لحظتها ولم يعد لجسدي قدرة على الوقوف شلت قدمي، لا يمكن نسيان تلك اللحظة".

لم تستطع أم معاذ رؤية زوجها قبل دفنه: "تم دفن زوجي بسرعة؛ نتيجة لاستهداف التشيع بالقصف بقذائف الهاون ولم أستطع توديعه، وعندما وصلت إلى قبره كانت عملية الدفن قد انتهت، ولم يبق إلا أخوتي وأولادي. عدت إلى المنزل وأنا مكسورة ومنهارة، فقد رحل رفيق الحياة والظهر الصلب الذي نستند إليه دائما وبتنا وحيدين في هذه الدنيا وسط ظروف أمنية ومعيشية بالغة الصعوبة".

عزيمة المرأة السورية

لم تستسلم لليأس بل قررت داخل نفسها أن تكون لأبنائها الأب والأم والصديق في آن واحد، فقد باعت ما بقي لديها من مصاغ ذهبي وبعض تجهيزات منزلها، ووسعت تجارتها رويداً وريداً حتى باتت غرفة البيع الخاصة تحتوي على معظم احتياجات الأسرة من ملابس وأحذية وعطورات وإكسسوارات نسائية بكافة أنواعها.

وبالرغم من الصعوبات التي تواجه عمل أم معاذ إلا أنها نجحت حتى اللحظة في تجاوزها. تقول:"تواجهنا العديد من المصاعب وخاصة القصف اليومي بشتى أصناف الأسلحة بدءا من رصاص القناصة وصولاً للبراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات الأسد، والتي قتلت العديد من جيراني وزبائني ومنهم أسر بأكملها، كما أن غلاء الوقود واضطراري لشراء الملابس والأحذية من ريف درعا يزيد من العبء الملقى على كاهلي، لكن بفضل تجارتي الصغيرة حققت الاكتفاء الذاتي لأسرتي ومنعتني من السؤال وانتظار المساعدة من المنظمات والهيئات الإغاثية أو الإنسانية".

الهجرة إلى الوطن

وعن موجة اللجوء إلى أوروبا تقول أم معاذ:" لقد جربت اللجوء الخارجي والنزوح الداخلي، فقرار بقائي في منزلنا أمر اتخذناه جميع أفراد الأسرة، فاللجوء يشبه اقتلاع الإنسان من جذوره فهناك موت وهنا موت، فمن يبحث عن كرامته يجدها في بلده وبأصعب الظروف، لا حياة لنا خارج بلدنا شئنا أم أبينا ومهما عظمت المغريات، فسيبقى في داخلنا ألم وحنين يفوق ثروات القارات بأكملها، كلامي ليس ضرب من الخيال بل واقع، لقد عشت اللجوء وجربت ذله وقهره، فالموت على تراب بلدنا أرحم من الموت في قيعان المحيطات والبحار وذل الغريب وقهر الدول لنا".