أخبار الآن | أوربا – متابعات (بسام سعد)

يواجه المهاجرون السوريون الجدد في دول أوربا تغيرات جذرية في نمط حياتهم، تبدأ باللغة الجديدة وأسلوب التواصل مع الآخر، ولا تنتهي بأزمة الاندماج كعنوان كبير يواجه مستقبل اللاجئين القريب والبعيد.

نظم جديدة

تختلف نظم دول اللجوء الأوربي، بالضرورة، عن النظم التي قدم منها اللاجئين السوريين، سواء على مستوى النظم السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية وبالطبع الدينية.

يواجه السوري اليوم مجتمعا مفتوحا تحكمه قوانين صارمة لم يعتدها في بلاده، وهي رغم إيجابيتها تتطلب منه استيعابها وتمثّلها وبالتالي تصبح جزءا رئيسيا من ثقافته.

يلتزم اللاجئ بدروس اللغة وبرامج خصصت لبدء إدماجه في المجتمع الجديد، وتدور عجلة الحياة بناء على هذا الأساس.

هنا في هذه النقطة بالذات تبدأ مشاعر الغربة تنتاب الكثير من اللاجئين السوريين، يعود سببها حسب ما يرى "وائل عباس" 29 عاما، المهاجر الجديد في مدينة "مانهايم" الألمانية، إلى الوقوع في حلقة يومية من الروتين والملل: "لم نعتد في سورية تلك الحياة الملتزمة بالقانون حتى في العلاقات الاجتماعية، أفتقد كما غيري إلى الحميمية التي كنا نعيشها في سورية، هنا يوجد تقدم هائل وقيمة كبرى للإنسان، لكن تغيب بالمقابل بساطة العلاقات اليومية ودفئها".

ربما يعاني الكبار الراشدين من نمطية الحياة هنا، وتظهر فجأة دموع الحنين إلى الفة افتقدوها في غمرة هروبهم من موت يلاحقهم على يد نظام الأسد.

السيدة "أم حسن شقير" 55 عاما، تعاني من حالات اكتئاب عارضة، يفسرها أولادها بفقدان الهوية الاجتماعية التي كانت تستمدها من علاقات الجيرة في حي صلاح الدين في مدينة حلب.

ضغوط نفسية جديدة

لكن يبدو أن مشكلة اللغة هي التي تخلق غياب التفاعل والتواصل، ناهيك عن اختلاف تلك الأساليب من التواصل عنها في سورية، ذات الثقافة الاجتماعية المعتمدة على التكافل والمودة وغياب الخصوصية لاسيما في علاقات الجيران بشكل خاص.

"أشعر بالغربة والحنين إلى سورية، أقول أحيانا ماذا أفعل هنا؟ وهل سأعرف نفسي بأنني ألمانية؟"، هكذا تعلق "نوال" التي لم تصدق أنها نجت من جحيم الحرب في مدينتها حمص ووصلت سالمة مع ابنائها الأربعة بعد استشهاد زوجها في معتقلات النظام.

ففي ظل العيش في بيئة خالية من الشبكات الاجتماعية التي اعتاد عليها، يجد السوري نفسه يوميا وهو يصطدم بمواقف وأحداث تزيده إرباكا، وتجعل من كل حدث أو سوء تفاهم أو تشوش في بعض التصرفات، معاناة تتطور لتشكل ضغط نفسي جديد.

يزعم البعض من اللاجئين هنا بأنهم تجاوزا مشكلة رحلات الموت التي رافقتهم في طريق وصولهم إلى أوربا، لكن المختصين يرون عكس ذلك.

تقرّ مريام شولر، عضو الهيئة العليا لنقابة الاطباء النفسيين في ألمانيا، بمعاناة الكثير من اللاجئين السوريين من صدمات الحروب ومخاطر اجتياز الحدود، ويضاف إلى ذلك بعد وصولهم فقدان الهوية الثقافية وفقدان الأهل والأصدقاء ومشكلات اللغة.

آثار عنف النظام

يعاني الكثير من اللاجئين من آثار الصدمات النفسية نتيجة معايشة العنف الشديد والتدمير، وتختلف درجة الصدمة والأزمات المرافقة لها بحسب التجربة الشخصية التي مروا بها.

فمن تعرّض للعنف الجسدي سواء في المعتقلات أو في مواقف يومية، فإن أزماته النفسية تكون أكثر شدة، وكذلك الأمر فيما يخص من عايش وشاهد أعمال العنف والتدمير والقهر.

يقول الطبيب النفسي سمير عبد الواحد: "الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين قد عايشوا العنف بأشكال مختلفة، وهذا الأمر يتطلب إخضاع الكثير من اللاجئين لاختبارات نفسية حتى لا يتطور كبت العنف داخلهم إلى أزمات نفسية تصبح مع الزمن صعبة العلاج".

أطفال الحرب السورية

يشكل الأطفال حوالي نصف اللاجئين السوريين في ألمانيا، وربما كانت فئة الأطفال هي الأكثر تأثرا بنتائج العنف في سوريا، فما عاناه أطفال سوريا خلال ما يقارب الخمس سنوات كفيل بجعل جيل كامل تشوهت تربيته ولغته وأساليب تعبيره وتواصله.

"خليل" يقطن اليوم في مدينة "هانوفر" الألمانية، يقول:"لا يزال ابني يسألني كل يوم عن صديق له قتل بسبب شظية قذيفة، ويبادر أحيانا إلى الانكفاء على نفسه كلما سمع صوتا عاليا، لقد عانينا مر الحصار في مخيم اليرموك، لا أعتقد أنه من السهولة تجاوز الأمر".

في ظل كل هذا، يبقى الجانب الإيجابي الكبير هو اهتمام المختصين وإجراء الدراسات لوضع الخطط التي من شأنها العمل على اجتياز آثار الحرب على اللاجئين السوريين في أوربا.

وللتنويه، فقد خلصت دراسة في جامعة ميونخ، أجريت على 100 طفل سوري، إلى أن 60% منهم يعانون من مشاعر العزلة و20% منهم يشكون من اضطرابات ما بعد الصدمة.