أخبار الآن | الرقة – سوريا – (عزام الحاج)

يبدو أن هزائم داعش العسكرية وخسارته مناطق كانت يحتلها، ستكونان عاملين حاسمين في تصدع وتفكك البنية البشرية للتنظيم. ففي أعقاب اندحاره في عين العرب في ريف حلب الشمالي، ثم خسارته أجزاء واسعة من ريفي الرقة الشمالي وريف الحسكة الجنوبي والغربي، بدأت الأنباء تتوارد عن حصول خلافات بين مكونات التنظيم، وخاصة بين ما يُسمى الأنصار، أي، العناصر المحليين، والمهاجرين، وهم مرتزقة متعددي الجنسيات استطاع داعش جذبهم وجلبهم إلى مناطق سيطرته في سورية والعراق.

الأنصار في داعش .. الحلقة الأضعف

ومن المعروف أن هيكلية داعش تخضع لهرمية صارمة أسوة بكل التنظيمات السرية. هرمية يحتل العناصر العراقيون منها أهم المفاصل السياسية والأمنية والعسكرية، فيما يأتي الأجانب في مرتبة ثانية، وهم في الغالب مُجندون للأعمال القتالية المباشرة والمهام الأمنية ذات الصلة بالمجتمعات المحلية بالتعاون مع عناصر محليين في الجهاز الأمني المعروف بـ"الحسبة". أما العناصر المحليون، السوريون خاصة، فهم مكرسون للأعمال القتالية في الخطوط الأمامية ومهام الحراسة والأعمال الأدارية المتدنية المستوى في ما يُعرف بـ"الدواوين".

تقسيم العمل هذا يعكس البينة الحقيقية وتوجهات داعش السياسية البعيدة. فمن المؤكد أن التنظيم، من حيث أصله وأهدافه، عراقي الأجندة؛ لكنه نجح في استثمار تعثر الثورة السورية وفشل الدولة فيها ورغبة النظام في خلق حالة جهادية، تطمس الثورة وتعوّمه كمحارب للإرهاب في نظر القوى الدولية، فأنشأ تنظيمه في محاولة لإعادة تجربته السابقة في العراق بعد الغزو الأمريكي له في العام 2003.

اتهامات وخلافات بعد هزائم داعش

إلّا أن هذا التنظيم الهرمي وهذا التقسيم للعمل داخل التنظيم تعرض لأكثر من اختبار خلال الأشهر السابقة بيَّنت أنهما يمكن أن يكونا عامليَن في تصدع بنيته البشرية من الداخل. إذ تقدم هزيمة داعش مثالاً عن كيفية تحول الخسائر العسكرية إلى خلافات داخلية. فبعد انسحاب قواته أمام ضربات التحالف الجوية في منطقة تل أبيض وتقدم قوات بركان الفرات، المؤلفة من ميليشيات كردية وبعض فصائل الجيش الحر، على الأرض، حدثت شجارات ومنازعات وتحميل مسؤوليات بين العناصر المحليين وقيادة التنظيم في الرقة.

إذ رأى العناصر المحليون أن التنظيم خذلهم وتخلى عنهم واتهموا قيادة التنظيم أنها سلمت منطقة تل أبيض دون قتال. وفي أواخر شهر تموز 2015، أي بعد انحسار سيطرته على منطقة تل أبيض، حدثت مشادة كلامية أمام ما يُسمى النقطة (11)، المركز الأمني الرئيسي للتنظيم في مدينة الرقة، بين العناصر وبعض قيادات التنظيم لتتطور إلى إطلاق نار قُتل فيه 3 من العناصر المحليين. إثر هذا الحادث تم اعتقال 47 عنصراً، كلهم تقريباً من منطقة تل أبيض، وزجهم في المعتقلات وتعذيبهم لمدة أسبوع بتوجيه مباشر، حسب التسريبات، من "علي موسى الشواخ" الملقب بأبي لقمان، أمير داعش في الرقة، و"فيصل البلو" المعروف باسم أبي أحمد، أمير المنطقة الشمالية.

الطرد من داعش

وانتهى الأمر بطرد هؤلاء المحتجين من التنظيم، فأصدرت قيادة التنظيم قائمة بأسمائهم وصورهم إعلاناً منها بإنهاء أي علاقة لهم به، وبررت ذلك  بمخالفتهم لقانون المبايعة بالسمع والطاعة، أي، بعودتهم عن المبايعة التي أعلنوها لداعش في شخص أبي بكر البغدادي، مما يستدعي عزلهم عن المهام الموكلة إليهم ونشر ذلك على الملأ.

تُشير هذه الحادثة إلى إمكان تصدع التنظيم من داخله بسبب التناقضات الفكرية والسياسية، كما بسبب الضغط العسكري وخسارة مناطق النفوذ، وهذا يستلزم أن تعمل فصائل الجيش الحر على وضع سياسة واضحة تجاه هؤلاء المتململين لاحتوائهم وخلخلة بنيان داعش. وفصائل الجيش الحر هي الأقدر على وضع وتنفيذ مثل هذه السياسة نظراً إلى بنيتها البشرية المحلية وأجندتها السياسية المعلنة.