أخبار الآن | الرقة – سوريا (عزام الحاج)

لا تكاد تتعرف على شخص قادم من محافظة الرقة السورية حتى تتهيأ لسماع قصته مع داعش، فلكل شخص "رجل أو امرأة، مسن أم شاب"، قصته مع هذا التنظيم وأمنييه وشرعييه وأوامره ونواهيه.

احتلال داعش للرقة

"أ. ظ" محامٍ وشاعر من مدينة الرقة، يقول: "بعد تحرير الرقة في العام 2013 انخرطت مع لواء "أمناء الرقة" المكلف بحماية الرقة ومنشآتها في مراقبة انتهاكات عناصر اللواء من الناحية الحقوقية والتنسيق مع الهيئة الشرعية التي حلت محل القضاء آنذاك". لكن فجأة ظهر داعش وبدأ يقضم أحياء المدينة ويقاتل فصائل الجيش الحر التي اضطرت أخيراً للخروج من داخل المدينة. اضطررت بدوري إلى الخروج مع إحدى فصائل الجيش الحر إلى "صرّين" ومنها إلى "أورفا" التركية. وبقيت هنا بضعة أيام إلى أن "صدر قرار من داعش بالعفو عن المطلوبين إذا سلموا أنفسهم وأقروا بردتهم ليصار إلى إعطائهم الأمان لاحقاً، فاضطررت للعودة لوجود أولادي وزوجتي في الرقة حيث عدت بتاريخ 13/1/2014 وتم تسوية أمري معهم".

إلى هنا تبدو الأمور بسيطة واحتمالات عودة "أ. ظ" إلى حياته وأسرته ممكنة، وما كان ليكون له قصة تروى مع داعش. لكن وبعد مضي شهر "وعند الساعة الثانية صباح 16/2/2014 فوجئت بمداهمة المنزل من قبل عناصر داعش حيث قاموا بتفتيش المنزل واقتيادي، تم تقييدي وعصب عيني وتحركت السيارة إلى جهة مجهولة. لم أفلح في معرفة الطريق لكثرة ما انعطفت السيارة". وهنا تبدأ رحلة اعتقال غرائبية دامت عشرة أيام داخل قبو النقطة 11، التي كان مقرها في مبنى القضاء العسكري وقتها.

اعتقال وتعذيب

يروي "أ. ظ" الذي لم يُفتح تحقيق معه إلا بعد يومين، كيف أُنزل في قبو عرف في ما بعد أنه قبو مبنى القضاء العسكري، الذي اتخذه التنظيم مقراً أمنياً وسجناً له. يوجد في هذا القبو أكثر من ثلاثين شخصاً أكثرهم من لواء ثوار الرقة، وكانت المعركة بين داعش واللواء قد انتهت بهزيمة اللواء وخروجه من الرقة منذ أكثر من شهر وقتها.

يقول: "بتاريخ 17/2/2014 حضر أبو علي الشرعي مساءً يرافقه ابنه وبعض العناصر ودخلوا الزنزانة وبدأ يسأل عن أسماء المعتقلين ويوزع تهمه عليهم ولما وصل دوري وعرف اسمي طلب مني الصمت قائلاً أنت وضعك خطير".

وفي اليوم التالي: "تم التحقيق معي من قبل ستة محققين. في أول الجلسة لم يعصبوا عيني وكانوا يلبسون الأقنعة باستثناء شخص واحد ربما يكون "أبو حمزة الرياضيات" وعرفت، فيما بعد، أن واحداً منهم هو "علي السهو" المشهور بأبي عبد الرحمن وأصبح لاحقا أبو سليمان". ويواصل استذكار تلك الساعات الرهيبة "طلب الذي يكشف وجهه تعصيب عيني وكانوا يحملون أنابيب تمديدات صحية بلاستيك قاسية لونها أخضر وانهالوا علي ضربا بها على كافة أنحاء جسدي. تعرضت لإصابة في الركبة والقدم اليسرى؛التي لا أزال أعاني منها حتى الآن. ظلوا يضربون حتى وقعت عن الكرسي فقام أحدهم بوضع أنبوب على عنقي بحركة خنق حتى اختلجت بعد انقطاع نفسي. وطوال هذا الوقت وأنا لا أعرف ما هي تهمتي. فطلبت منهم أن أعرف لماذا هذا الضرب؟! فقال أحدهم أنت مرتد ونهايتك في "الهوتة". ثم تم سحلي وإرجاعي إلى الزنزانة. وفي ذات الليلة أخذوا مني كلمة السر لحسابي على الفيسبوك "ففتشوا الرسائل ووجدوا لي مكالمة ماسنجر مع ناشط سياسي يقيم خارج الرقة وحديث عن ممارسات داعش في المدينة بعد استيلائهم عليها وهكذا اعتبروني نقضت شروط الأمان وتواصلت مع المرتدين وأسأت للتنظيم".

الهروب إلى تركيا

لكن، وقبل فتح حسابي على الفيسبوك وقراءة الرسائل، ما كان سبب الاعتقال أصلاً؟. هذا ما لم يعرفه أو يفهمه الرجل. ويقول: "خضعت لتحقيق يومي كان أغلبه مركزاً على بعض الشخصيات من الجيش الحر منهم أبو عيسى وأين مكانه؟ وعن بعض قادة لواء الأمناء وأين انسحبوا؟. وكانت حفلة التعذيب تُكرر يومياً مع إقناعي أن تصفيتي وإعدامي أمر لابد منه وأذكر انهم كانوا يأتون آخر الليل ويصرخون لي جهز حالك للإعدام".

دون مقدمات تم الإفراج عن السيد "أ. ظ" يوم 25/2/2014. لكن "بعد ساعتين من وصولي إلى بيتي اتصل بي قريب ينصحني ألا أنام هذه الليلة في بيتي". وبالفعل نمت تلك الليلة في بيت قريب آخر. وفي النهار التالي هربت إلى تركيا. وها أنا هنا منذ عامين دون عمل أعيش دون تحت خط الفقر. وهناك، في الرقة "صادروا منزلي بكل موجوداته واسكنوا منتسب تونسي في بيتي الذي أمضيت عشرين عاماً كي أحقق حلمي بامتلاكه".

لكن ألم يعرف حقاً لِمَ اعتقلوه وعذبوه؟ يقول: "بلى، عرفت لاحقاً أن اعتقالي كان بسبب أسرى داعش لدى لواء ثوار الرقة، لقد ظنوا أنّي صيد ثمين، فأرادوا اعتقالي ثم شملي بصفقة تبادل أسرى، لكن الصفقة فشلت فأفرجوا عني".