أخبار الآن | غازي عنتاب ـ تركيا ( ياسمينا بنشي )

"تأخرت زيارة ابنتاي … متى ستأتي صفاء وتخبرني عن أحوالهم وعن ابني الذي سافر قسرا" تلك العبارة التي كانت ترددها الأم صباح كل زيارة الى سجن عدرا.

محاسن السيدة التي تجاوز عمرها 55 عاما، من مواليد مدينة دمشق منطقة الميدان، أم لثلاثة أبناء، اعتقلت في شهر نيسان أبريل عام 2013 إثر كمين نصبه الأمن لها، نتيجة استلامها حوالة مالية بناء على طلب شابة تعرفها وهي حوالة مالية من خطيبها حيث أن الشابة أضاعت هويتها ولم تحصل على بدل الضائع عن الهوية بعد ولا يمكنها إستلام أي مبلغ مال بعدم وجود وثيقة معها فطلبت من السيطدة محاسن أن تساعدها في ذلك.

وبعد ثلاثة أيام من تسلمها للحوالة اعتقلت محاسن لصالح فرع الأمن بمنطقة باب مصلى بدمشق بتهمة "تمويل الارهاب"، وعندما روت السيدة القصة لعناصر الأمن قاموا باعتقال الشابة أيضا، وبعد عدة أيام من اعتقالهن وصل "أحمد" خطيب الشابة للسؤال عنهما وشرح القضية فاعتقله الأمن بذات التهمة "تمويل الارهاب".

تعرضت محاسن لشتى فنون الضرب والتعذيب من قبل العناصر طيلة فترة وجودها داخل الفرع، كونها ابنة حي الميدان الثائر، حيث تعرضت بداية توقيفها للشبح والتعليق مدة طويلة إلى أن أنهكت مفاصلها وبدأ الجلد قرب إبطها بالتشقق، وبعد ذلك بدأ الضرب على أسفل قدميها (الفلقة) بأنبوب بلاستيكي مفرغ، أخضر اللون، كانت المعتقلات يطلقون عليه لقب (الأخضر الابراهيمي)، كانت محاسن تضرب بوحشية كما وصفت لي، كانت تضرب إلى أن تدمى، ثم يقوم العناصر بسكب المياه على قدميها ليزيد ألمها، وتؤمر بالمشي بعد ذلك الى مهجعها، وإذا سقطت أرضا يعود العناصر لضربها.

في إحدى المرات ونتيجة الضرب اليومي المتكرر لم تعد محاسن تقوى على المشي فكانت كلما وقفت تعود لتسقط، إلى أن جاء أحد العناصر الملقب (أبو جعفر) ذو الهامة الضخمة حسب وصفها، وتناولها من شعرها بعدما نزع حجابها وهي مرمية على الأرض، ليقوم بسحبها من شعرها بدءا من مكان تعذيبها إلى مهجعها، دون أن يراعي كبر سنها.

وبعد حوالي الشهر ونصف تم تحويل محاسن والشابة التي اعتقلت معها الى سجن عدرا بتهمة تمويل الإرهاب، السجن الذي وصلته محاسن منهكة القوى وآثار التعذيب واضحة على جسدها وقدميها المتفسختين من شدة الضرب، وبقيتا مدة طويلة إيداع لصالح محكمة الإرهاب الى أن عرضتا على القاضي، وتم توقيفهما نهاية العام 2013.

لم يعلم أبناء محاسن ولا أخوتها مكانها، لدرجة أنهم ظنوا أنها ماتت في إحدى التفجيرات بالمنطقة، إلى أن أرسلت إلى أبناءها تخبرهم بوجودها في سجن عدرا عن طريق زيارة أهل بعض المعتقلات، كان شقيقها الأكبر وبناتها الاثنتين يقدمن لزيارتها كل شهر، دون الشقيق خوفا عليه من الاعتقال، إلى أن فقدت محاسن التواصل معهم كليا.

في الشهر الأول عام 2014 خرجت الشابة في القضية ذاتها بإخلاء سبيل، وتبقى محاسن وحدها بانتظار فرج قريب، يطمئنها عن أولادها أو تخرج من بين جدران هذا السجن المظلم.
وبعد انتظار طويل وفي نهاية شهر آذار من العام 2014 يفتح أحد عناصر السجن باب الجناح ويأمر صفاء ابنة محاسن بالدخول لأحد المهاجع، لحظة صمت تعم الجناح، وتخرج الأم مذهولة لسماع اسم الابنة لتصرخ بأعلى صوتها، وهنا تكون صدمة الأم أشد وقعا باعتقال ابنتها التي افتقدت زيارتها مدة طويلة.

بقيت محاسن وابنتها حوالي ثلاثة أشهر داخل مهجع السجن إلى أن حصلت إحدى الهدن المناطقية وخرجتا على إثرها في شهر حزيران عام 2014، لترحل محاسن وعائلتها خارج دمشق، مبتعدة عن حكم النظام وظلمه، وخوفا من اعتقال آخر، خاصة أن الأمن السوري يلاحق دوما المعتقلين والمعتقلات المفرج عنهم، ويضيق عليهم الخناق.