أخبار الآن | الرقة – سوريا (عزام الحاج)

سعى داعش ومنذ أطلق المرحلة التي يسميها "التمكين"، إلى خطب ود فئات اجتماعية معينة في المجتمعات المحلية التي سيطر عليها بالقوة العسكرية والعمل الأمني والإرهاب المنفلت من أي حدود. ولعل التجّار وأصحاب الشركات والمعامل والمصالح الكبرى هم الفئة الأبرز التي استخدم داعش معها "الجزرة" أكثر من استخدامه العصا.

ولا يتوقف الأمر عند أعمال كبيرة تتقاطع عندها مصالح دول وشخصيات نافذة، مثلما كان حال التفاهم بين داعش وشركة مملوكة لشخص روسي سوري على صلات مالية برأسي النظام في سورية وروسيا وتعمل في مجال الغاز في حقل "عوينان" في البادية السورية، بل إلى فئة من التجار أقل تأثيراً على المستوى الدولي لكنها أكبر حجماً وأوثق صلة بالمجتمعات المحلية. إنها فئة تجار الجملة والوسطاء التجاريين الذين ينقلون السلع والبضائع بين المنتجين والمستهلكين.

التجار الصغار واجهة عناصر داعش

كان أول مؤشر لاهتمام داعش بهذه الفئة في مدينة الرقة هو خطفه لأحد المتعهدين ورجال الأعمال في بداية فرض سيطرته على المدينة ثم إفراجه عنه بعد بضعة أيام. وقتها، أفاد متابعون أن السبب الرئيس لاختطاف المتعهد هو ابتزازه وأسرته من أجل دفع فدية؛ الأمر الذي يبدو وقد حصل، وهو أسلوب اتبعته عدة فصائل من أجل إيجاد تمويل لها، لكن داعش مارسه كسياسة ثابتة طوّع بها الكثيرين.

يقول "م. ش"، وهو شاب من ريف الرقة الشمالي يقيم داخل مدينة الرقة: "مَنْ كان منهم تويجراً فيما مضى، أصبح اليوم رامي مخلوف"، في إشارة إلى تجار صغار ومتوسطي الحال يعملون في تجارة الخضار والسلع الأساسية بين سورية والعراق بعد أن أزال داعش الحدود بين الدولتين. ويلاحظ أن تجار الخضرة الرقيين نجحوا وبالتفاهم مع قيادات داعش في فتح خط تجاري مهول بين "الرقة والموصل" وغيرها من المناطق الخاضعة لهيمنة داعش في العراق، وأن خضروات الرقة تذهب بكميات هائلة إلى تلك المناطق "التي يبدو أنها لا تزرع أو أن الزراعة فيها لا تلبي كل احتياجات سكانها. والخلاصة أن تجار سوق الهال أصبحوا أصحاب ملايين كثيرة، لكن أظن أنهم واجهة أيضاً لشخصيات مهمة في داعش".

تجار الأزمات وحكم داعش

لكن هل تقتصر تجارة هؤلاء على خضار الرقة؟ يقول "م. ش.": "لا، المسألة أكبر من تجار الرقة، تقدر تعتبر تجار الرقة وسطاء. البضائع تجي من مناطق النظام، كل شيء يخطر ببالك، ومن ثم إلى مناطق سيطرة داعش في العراق".

والحال أن تجار الأزمات يجدون اليوم فرصة ذهبية في فشل دولتين يقارب عدد سكانهما الخمسين مليون نسمة وسوق مفتوحة لتهريب كل شيء، وهؤلاء يوسعون أسواقاً وخطوط تجارية كانت موجودة وقائمة قبلاً، وشهدت أوج ازدهارها خلال مرحلة الحصار الدولي على العراق ومرحلة الغزو الأمريكي للعراق. وقتها نشط عمل مافيات تجار سوريين بشراكات "باطنة" مع شخصيات مهمة في النظام لتهريب كل شيء، بما فيه "المقاتلين" العرب، إلى العراق مقابل النفط.

واليوم تكاد الصورة تكون مطابقة للأمس؛ وباستثناء وجود داعش اليوم وما يحصل عليه في شكل شراكات مع التجار أو ضرائب تفرضها على أنشطتهم، فإن اللاعبين الكبار لم يتغيروا. فمستوردو المواد والسلع الأساسية، مثل الشاي والسكر والرز، يسيرون شاحناتهم من مرافيء طرطوس واللاذقية باتجاه الموصل والرمادي مروراً بالرقة ودير الزور أو الحسكة.

يتنبأ "م. د" بدور مهم للتجار الوسطاء هؤلاء في "إعادة إعمار الرقة بعد طرد داعش منها، فهؤلاء شركاء وخدم لكل صاحب سلطة"، حسب تعبيره.