أخبار الآن | ريف إدلب- سوريا (هاديا المنصور)

جلست "سلام" 29 عاما، مستسلمة لمرضها بعد أن تعذر عليها السفر للعلاج في مناطق النظام بسبب تدهور الوضع الأمني، حيث أن وجود الحواجز النظامية على طول الطريق يضع أسوأ الاحتمالات من اعتقال وسياسات سلب ونهب يعتمدها هؤلاء الجنود مع الجميع دون تمييز.

"سلام" من مدينة كفرنبل، هي واحدة من عشرات المصابين بأمراض السرطان في إدلب وريفها، والذين حال تدهور الأوضاع دون تمكنهم من العلاج في ظل غياب مراكز متخصصة بمرضى السرطان، وقلة الأخصائيين والأدوية اللازمة.

معاناة المرضى

تقول سلام: "أصبت بمرض سرطان الدم منذ سنتين، ولكنني لم ألاحظ هذا الأمر إلا منذ بضعة أشهر بعد أن قمت بإجراء بعض الفحوصات والتحاليل"، وتضيف بأنها تأخرت بمعرفة مرضها كونها لم تظهر عليها أية أعراض غير طبيعية إلا منذ أشهر، حيث ظهر عليها طفح جلدي ورافقه شعور بالدوار والغثيان ثم تساقط في شعر رأسها.

لم تكن سلام لتستسلم للمرض بهذه السهولة لولا أن تكاليف العلاج باهظة الثمن وتفوق مقدرتها المادية التي وصفتها بالمزرية، فزوجها يعاني البطالة منذ مدة ولديها ثلاثة أولاد هم بحاجة للكثير من النفقات التي بالكاد يؤمنون لهم بعضها، وتلفت سلام إلى أنها حاولت السفر إلى دمشق للعلاج ولكنها ما إن وصلت أول حاجز للجيش حتى قاموا بأخذ هويتها الشخصية وأمروها بالنزول من السيارة وراحوا يطرحون عليها الأسئلة كونها قريبة لإحدى الناشطات في كفرنبل، ثم أطلقوا سراحها بعد عدة ساعات شعرت سلام خلالها بالخوف الشديد، مما جعلها توقف رحلتها عند هذا الحد وتعود أدراجها فهنالك أكثر من عشرين حاجزا سوف تضطر لاجتيازها فإن كان هذا الحاجز قد أطلق سراحها ربما لا يفعل غيره وهذا ما دفعها للعودة.

"أم نائل" 48 عاما من مدينة كفرنبل، مصابة بمرض سرطان الثدي منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وبالرغم من أنها خضعت لعملية جراحية وتم استئصال الورم إلا أنها بحاجة لمتابعة العلاج وذلك بالحصول على جرعات كيميائية لمدة سنتين بعد الاستئصال، حيث تقول: "قصدت دمشق لإجراء العملية منذ سنة تقريبا، ولكنني لم أعد أستطيع الذهاب بعد أن انشق أولادي وأخوتي عن الجيش، فأنا أخاف أن أتعرض للاعتقال"، ومنذ ذلك الوقت وهي تقوم بشراء الدواء على حسابها الخاص، فهي بحاجة إلى جرعة كل عشرين يوما، وتكلفة  الجرعة الواحدة 250 دولارا: "لقد بعت كل ما أملك لشراء الجرعات، وأخاف أن يعود لي الورم وينتشر في جسمي وبالتالي سيكون الموت مصيري".

أما "صبحي" 35 عاما، فهو فقير الحال ويعاني من سرطان الكولون منذ أكثر من سنة دون أن يستطيع فعل شيء سوى انتظار الموت على فراش المرض، يقول: "أعرف أنني سوف أموت بالنهاية، فالسرطان هو من أصعب الأمراض وأقلها شفاء، ومن جهة أخرى لا أريد أن أقصد أي مكان للعلاج وخاصة في هذه الظروف لأنها مضيعة للوقت، ولأنني أريد الموت على فراشي لا في معتقلات الأسد"، ويؤكد صبحي أنه من أوائل الخارجين بالمظاهرات ضد نظام الأسد وهو أحد المطلوبين لدى أجهزته الأمنية، كما أنه لا يقصد المشافي التركية لأن علاج هذه الأمراض بالذات ليس مجانيا هناك وتحتاج للكثير من النفقات، إلا إذا وجد متبرع وهذا نادرا ما يحصل، ويأسف صبحي لأن معظم من يقصدون تركيا من مرضى السرطان لا يعودون إلا موتى.

غياب الأدوية والأطباء والمراكز المتخصصة

وعن وضع هؤلاء المرضى بشكل عام يتحدث الطبيب "أحمد الأقرع" 57 عاما، الأخصائي بالأمراض الداخلية ومدير مشفى "دار الحكمة" في كفرنبل: "لقد زاد عدد مرضى السرطان في الآونة الأخيرة بحدود عشرة بالمائة، بالنسبة للنساء هناك سرطان الثدي الأكثر شيوعا، أما بالنسبة للرجال فسرطان الرئة، هذا عدا عن وجود أنواع أخرى ومنها سرطان الكولون والدم والمعدة وغيرها"، ويرجع الطبيب أسباب زيادة عدد المرضى إلى قلة المراكز المعالجة في المناطق المحررة، كما لم تتبن أية جهة أو منظمة دولية هذا الموضوع حتى الآن. 

ويوضح الطبيب أحمد بأن المشافي المحلية والميدانية لا تستطيع مساعدة مرضى السرطان لعدم توافر الأجهزة الإشعاعية كون العلاج نوعين إشعاعي وكيماوي، وعدم وجود أطباء متخصصين بأمراض السرطان، إضافة لعدم توافر الأدوية. وينوه أن نسبة الشفاء من هذا المرض في هذه الظروف ضعيفة جدا وهي بحسب نوع السرطان ومرحلة المرض التي وصلها المريض، أما إذا اكتشف المرض باكرا واستطاع المريض الحصول على العلاج ففي هذه الحالة نسبة الشفاء ممكن أن تصل إلى 90 بالمائة.

ويشير الطبيب إلى أن تكلفة العلاج مرتفعة جدا وهي تتراوح بين الألف والعشرة آلاف دولار أمريكي للمريض الواحد.

من جهته الصيدلي "مناف" 28 عاما، يتحدث عن ندرة تواجد أدوية مرضى السرطان في هذه الظروف حيث يقول: "يتعذر علينا الحصول على هذه الأدوية كونها باهظة، ولكننا نستطيع تأمينها لمن يحتاجها بالتوصية عليها من تركيا وأحيانا من لبنان، وذلك بعد أن يدفع المريض ثمنها مقدما لكي ندفعها نحن بدورنا للمندوبين الذين سيقومون بتأمين الدواء".

الطبيب "غسان" 38 عاما، أحد أطباء مدينة كفرنبل يُرجع  ازدياد هذا المرض بسبب التلوث والقصف وقلة الرقابة على المواد الغذائية.

من جهة أخرى يقول "أبو محمد" 36 عاما، أحد أعضاء المجلس المحلي: "نحن في المجلس نسعى جاهدين إلى الحد من انتشار التلوث والأمراض من خلال العمل على توظيف عمال للنظافة في كافة الشوارع، والتخلص من القمامة والنفايات إلى خارج المدينة بوضعها في حفر كبيرة وردمها، بالإضافة إلى القضاء على الحشرات في المنازل بتوظيف فرق مزودين بمبيدات حشرية كل سنة، أما بالنسبة للرقابة الغذائية فهي شاغرة حتى الآن لعدم تواجد مختصين ومعنيين بهذا الأمر"، ويأسف لذلك كما أنه يتمنى لو يجد هؤلاء المرضى جهة داعمة تتبنى قضيتهم، وتعمل على انتشالهم من براثن اليأس والمرض.