أخبار الآن | دمشق – سوريا (يمنى الدمشقي)

وسط زحمة الموت واللون الأحمر الذي غطى مسلسل الحياة اليومي في سوريا، ينتهز الكثيرون بذكرى "عيد الحب" لحظات يحاولون من خلالها أن يسترقوا أجواء مليئة بالألوان لاسيما "الأحمر"؛ لكنه أحمر لا يشبه موتهم.

بضعة كيلومترات فقط تفصل بين دمشق وريفها، في دمشق حيث تفنن الباعة بعرض منتجات عيد الحب وتصفيف الزهور، بينما كان لأحمر الدماء في ريفها طعم آخر، لم تستطع حلاوة الحب أن تغطيه.

لم يكن في هذا اليوم شيء جديد، فحصتنا من الشهداء لا زالت في ازدياد، وحصتنا من الحصار لا زالت في امتداد، وحصتنا من الوجبة السياسية التي بات يفترشها قادة العالم على أرضنا لا زالت تتضاعف، هكذا تقول "ليلى" من دوما، وتضيف: "حاولت كثيراً أن أعيش طقوس هذا اليوم مع خطيبي، إلا أن رباطه على الجبهات كان أولى من الاحتفال به، قد يكون اليوم الحقيقي الذي يستوجب أن نحتفل به عندما نتمكن من أن نكون تحت سقف واحد غير مترقبين لقذيفة هاون أو صاروخ قد يفاجئنا بغتة، أو تتراوح حياتنا بين احتمالات الموت جوعاً أو برداً".

في حين استعارت "آلاء" قول "محمود درويش" من قصيدته حصار: "كتبت عن الحب في عشرين سطراً، فخيل إليّ أن الحصار تراجع عشرين متراً" وقالت: "قد لا يكون الوقت مناسباً لقول القصائد والأشعار، لكني بت أرى الكثير من الكراهية منتشرة بيننا، وبتنا بحق نفتقد إلى الحب كلغة أساسية في حياتنا اليومية، حتى على صعيد العالم الافتراضي باتت فسحة الحب محدودة جداً، وأرى أن يكون هذا اليوم بادرة لتجديد حبنا، حتى في حصارنا، نحن في دمشق نعيش ألف حصار، حصار العجز، وحصار الخوف من انتقام النظام، والحصار الاقتصادي، أرغب أن لا يكون هذا اليوم فقط للعشاق بل يعبر كل منا للآخر عن حبه ووقوفه إلى جانبه لنتخطى هذه الحرب بأقل الخسائر، على الأقل نربح أنفسنا".

داخل سوريا .. الأحمر لون الحصار والألم

ولم تقتصر الانقسامات بين السوريين على السياسة بل امتدت إلى مؤيد ومعارض للاحتفال بعيد الحب، بعضهم رأى أن ما يجري في سوريا من أحداث متسارعة جعلت الواقع مؤلماً أكثر مما يستوجب منا أن نترفع عن هذه الأعياد وأن يكون للدم حرمة حقيقية في حياتنا، بينما تململ آخرون من حلقات الموت التي لم تنته ورأوا أن عليهم أن يخرجوا الحرب من حياتهم بأي شكل كان، فمن حقهم أن يعيشوا الحياة كغيرهم وأن يستمتعوا بكل عيد، بل يخلقوا أعياداً للفرح والحياة.

"ماهر" بائع ورود وهدايا في دمشق، يقول: "بغض النظر عن المعنى الذي يريده الكثيرون من عيد الحب، إلا أنه وشخصياً بات يعنيني في المرتبة الأولى تجارياً لأنه يوسع مورد رزقي، فمع ارتفاع سعر الدولار وتحوّل الحياة في دمشق إلى جحيم اقتصادي بتنا نعاني الأمرين في سبيل تحصيل قوتنا اليومي، ولعل تزايد الطلبات على الهدايا والورود في هذا اليوم سيسهم في زيادة المبيعات وسط ركودها باقي أيام السنة".

وعن الحركة الشرائية في السوق يقول ماهر: "نظراً لتردي الأوضاع الاقتصادية فإن الحركة الشرائية في ركود مستمر والبيع انخفض إلى ما دون النصف فالناس باتت تفكر في لقمتها قبل كل شيء، لكن رغم ذلك لا زلت تلحظ طلبات على الورود الحمراء والهدايا والتحف والزينة"، أما الأسعار فصرح ماهر قائلاً: "الأسعار ليست بالقليلة إطلاقاً فسابقاً كان سعر الوردة الحمراء على سبيل المثال 250 ليرة سورية أما اليوم فيصل سعرها إلى 2000 ليرة سورية، في حين أن سعر "أية دمية" حمراء فيتراوح بين 5000-10000 ليرة سورية، حتى بات البعض فعلاً يستعيض عن ذلك بالورود الاصطناعية".

أما "سلمى" وهي طالبة جامعية فأعربت عن رفضها الاحتفال بهكذا أجواء ليس من منطلق إنساني فقط بل من منطلق إحساس بالغير قائلة: "في الوقت الذي تقدم حبيبة لحبيبها هدية تفتقد الكثيرات أزواجهن وأحباءهن سواء أكانوا شهداء أم مهجرين أم معتقلين، وربما لجأت تلك السيدات إلى مقارنات غير عادلة مع غيرهن وقد يقعن بحالة نفسية سيئة جراء ذلك، فما الفائدة من الإعلان عن مشاعرنا أمام من يفتقدها في الوقت الذي بإمكاننا أن نعبر لهم داخلياً، أضف إلى أنه بسعر الوردة الحمراء قد تساهم بإنقاذ طفل من الجوع"، وتضيف: "الأطفال وحدهم من يستحقون الحب في كل يوم ويجب أن نوجه مشاريعنا كلها نحوهم على الأقل ننقذ جيلاً كاملاً من سلسلة أمراض نفسية ومجتمعية قد تهددهم، وهذا برأيي أهم من كل عيد".

ولـ "هيثم" رأي مختلف حيث قال: "مضى على زواجي 10 سنوات لم أحتفل في أي منها بأي مناسبة، لكنني ومع ظروف نزوحنا المتكرر والحياة الروتينية التي طغت على أيامنا، أفكر في أن يكون هذا العام مختلفا، سأخرج اليوم أنا وزوجتي إلى إحدى المطاعم وقد حضرت لها هدية، أحاول على الأقل أن أخلق فسحة فرح في صخب حياتنا وهمومنا كرد معروف لها على وقوفها بجانبي".

خارج سوريا .. الحب يتخطى الحدود

لا يختلف الأمر خارج سوريا عن داخلها، بل أدى تشابك القصص والحكايات بين المنفى والداخل إلى التصريح علناً بهذا الحب، لاسيما بعد تهجير الآلاف من السوريين خصوصا فئة الشباب بعد إصدار النظام مرسوماً بضم الشباب ممن هم فوق 18 إلى خدمة العلم، فهرب هؤلاء بما تبقى لديهم من أحلام من سوريا.

لغياث قصة هي واحدة من كتاب السوريين المفتوح، إذ تمكن من عقد قرآنه على هدى لكنه سرعان ما اضطر للسفر إلى تركيا خشية ملاحقته من قبل قوات النظام، ورفض غياث أن يمر هذا اليوم على هدى في سوريا كأي يوم فأراد أن يحضر لها مفاجأة على حد قوله: "تمكنت من التواصل مع إحدى الفتيات اللواتي افتتحن مشروعاً في دمشق لتوصيل الهدايا من المغتربين إلى أهاليهم في دمشق، ومثل هذه المشاريع لاقت إقبالاً كبيراً من قبل السوريين، وتمكنوا فعلاً من تحضير هدية جميلة لهدى، وربما كانت هذه المرة الأولى التي أحتفل بها بهذه المناسبة لا لإيماني بها بل أحببت أن أشعر خطيبتي أني أحاول قدر الإمكان أن أكون بهذا اليوم بجانبها".

بين مؤيد ومعارض ومندد ومنادٍ بهذا العيد، لا زالت المسافات تفرق الكثير من العشاق، بينما تزايد متطلبات الحياة وتردي الأوضاع الاقتصادية يمنع الكثير من ترف الاحتفال بهكذا أعياد، بل يمنعهم من الاحتفال بالأعياد الرسمية، في حين ينشغل آخرون بلملمة أشلائهم وبقايا جثث شهدائهم غير مدركين لتسارع التقويم الذي يمر على أيامهم التي باتت تشبه بعضها كلها حتى لم يعد هناك فرق بين عيد الحب وعيد الجلاء ولا بين عيد الأضحى وعيد الشجرة، بينما تصر فئة أخرى أن تعيش الفرح وتخلق الحياة مغتنمة أي مناسبة تمر عليها.