أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (مها رباح)

بعينين تشعان بالأمل والسرور يراقب "صلاح" 42 عاما، من كفرنبل تحركات الحمام داخل غرفة مخصصة له فوق سطح منزله.

غرفة جمعت أشكالا رائعة ومتنوعة الجمال من الحمام البلدي، تمتاز بأشكال غريبة وعجيبة تدخل السرور والبهجة إلى قلب الناظر إليها. يقول صلاح أنه بينه وبين الحمام قصة عشق قديمة، فمنذ صغره امتهن تربية الحمام بدافع حب الجمال والتسلية ولكنه فيما بعد تعلق به ولم يتركه بالرغم من ظروف الثورة الصعبة. يوضح صلاح أن للحمام أنواع عجيبة وبعضه يمتلك قدرات كبيرة كما يقول، فعلى سبيل المثال "الحمام الزاجل" يمتاز بذاكرة قوية وقدرة عالية على الطيران لمسافات طويلة جدا تمتد أحيانا لحوالي 6 آلاف كم، بالرغم من ذلك يوضح بأن أسعاره ليست غالية الثمن حيث تتراوح ما بين ألف إلى عشرة آلاف ل. س.

وأغلى الأنواع الموجودة في سوريا هو ما يدعي "المشمشي" وله درجات في غلاء أسعاره حيث تتدرج من ألف إلى مليون ليرة، والنوع الآخر يدعى "بايميلي"، ويضيف أنه كلما زاد تناسق شكل الحمام وجماله زاد سعره، فكما أن للإنسان مقاييس محدده للجمال كذلك الحمام له مقاييس معينه مثل طول الرقبة وتناسق شكل الجسم ولون العينين وهذه المقاييس هي من تتحكم بأسعاره خاصة فيما يتعلق بحمام الزينة.

ومن الأنواع الأخرى ما يدعى "مساويد، أبلق، شرابي وقرنفلي، كازندي". ولكل نوع منها سلالة أصيلة وحسب ونسب حيث بعض أنواع من الحمام تنسب إلى دول ومناطق مثل الحمام الشيرازي والذي ينسب إلى مدينة شيراز في إيران والأندونيسي.

الحمام المهاجر بسبب الحرب

من خلال تجربة صلاح يصرح بأن سوريا من البلدان التي تختص بتربية الحمام الأصلي والأجود في العالم قبل الثورة، ولكن بعد الثورة بيعت وهجرت أغلب الأنواع الجميلة والغالية الثمن خارج البلاد مثلها مثل سكان سوريا الذين تهجروا خارج بلادهم بسبب رخص أسعارها بعد الثورة وقلة الطلب عليها، فحسب قوله أن سعر زوج الحمام قبل الثورة وصل لعشرين ألف دولار أما في زمن الثورة فقد انخفض لثلاثة آلاف دولار، ويوضح صلاح أن تجارة الحمام لا تقتصر على داخل سوريا بل تتعداها إلى خارج القطر للبلدان العربية والإسلامية الأخرى كتركيا والأردن والعراق ولبنان، ولكن ذلك غالبا ما يتم عبر التهريب ذلك لأن بيعه إلى خارج سوريا ممنوع من قبل وزارة الزراعة لدى النظام السوري.

يقول "ياسر" "أحد مربّي الحمام" أن أكثر شيء يشعره بالترويج عن النفس ويعزيه في هذه الظروف السيئة هو الحمام وبخاصة عندما يطلقه للطيران بأعداد كبيرة فوق مدينته وعندما يصفّر له يعود إليه كله كاملا فيعرف حينها أن حمامه من النوع الأصيل الذي يعرف كيف يعود لوطنه ومكانه الأول فيشعر بأمل عودة كل المهاجرين يوما ما إلى بلادهم.

تربية الحمام وتجارته في ظل الحرب

تعتبر مهنة تربية الحمام وسيلة للتعارف والصداقة والصحبة أيضا بحكم التنقل بين البلدان وتجارته، ولظروف الثورة تأثير على عملية بيعه وترويجه وتجارته التي باتت حاليا تتم عبر الانترنت والهواتف النقالة بواسطة تصويرها وإرسال صورها للزبون على الهاتف لصعوبة التنقل بين مناطق النظام ومناطق المعارضة.

"ياسر" من قرية "البارة" شمال كفرنبل 4 كم، يقول أن له زميلا من مدينة طرطوس يمتهن تربية وتجارة الحمام وهما بدورهما لهما زميل آخر في "تل تمر" شرق الحسكة تعرفا عليه عن طريق تجارة الحمام وصارا فيما بعد يتراسلان عبر الحمام الزاجل.

ويضيف أن بعض الطيور تتعرف على الأماكن من خلال رائحتها ورائحة الأجواء التي تميز ذلك المكان، لذلك عندما يريدون بيعه يقوم المشتري بقص فتحتي الأنف للحد من شم الأجواء لكي لا يستطيع العودة إلى صاحبه الأول.

لا تقتصر فوائد الحمام على التسلية والجمال فقد تعدى ذلك لمنفعة اقتصادية خاصة في ظل الظروف السيئة، "ياسر" لديه أكثر من 500 طائرا من الحمام يقول أن ذلك الحمام يغنيه عن شراء لحم الدجاج من أجل الطعام وأنه يستفيد من فراخ الحمام من النوع الرخيص الثمن في إطعام عائلته الكبيرة، عدا عن كون تجارة الأنواع الغالية الثمن منه مربحه إذا توافر الدواء له.

ويعترف بأنه ربح السنة الماضية جراء تجارته في الحمام مليونين ونصف المليون ل. س حيث كانت عمليات البيع تتم إلى سراقب وحلب وحماة ودول خارجية كلبنان وتركيا.