أخبار الآن | غازي عنتاب – تركيا ( ياسمينا بنشي )

حين استدعانا رئيس فرع التحقيق في الأمن العسكري الى مكتبه لمشاهدة اعترافات شابة في مقتبل العمر عن قضية جهاد النكاح، ومحاولته إقناعنا بأن ثورتنا مشوهة، لم أكن أتوقع حينها بأني سألتقي يوما تلك الشابة، ومن ثم أدون قصتها.

كمن سبقها الى الموقف ذاته خرجت على إحدى القنوات الفضائية التابعة للنظام لتدلي باعترافات مفترضة ومصطلحات تثبت تفرد النظام السوري باستباحة الإنسانية.

سارة العلاو، من مواليد عام 1994 في مدينة البوكمال التابعة لمحافظة دير الزور، طالبة في المعهد التقاني الطبي قسم التخدير جامعة دمشق.

تم اعتقالها من الجامعة خلال الامتحانات في شهر يونيو حزيران عام 2013 من قبل عناصر الأمن بعد وشاية من إحدى زميلاتها حول حوار حاد دار بينهما عن الأوضاع والأحداث التي تجري في سوريا، وتم نقلها إلى فرع الأمن السياسي بمنطقة الفيحاء بدمشق.

بعد اختفائها عن أهلها وأصدقائها، ظهرت سارة ضمن برنامج يعرض على شاشة إحدى الفضائيات التابعة لنظام الأسد بتاريخ 11 آب عام 2013، وهي تدلي باعترافات قسرية بدا واضحا جدا تلقين النظام لها وعلامات الانتهاك والذهول واضحة على معالم وجهها، والتهمة هي "إرهابية وقائدة لفصيل من المجاهدين وأميرة في جبهة النصرة، وأنها مارست جهاد النكاح مع عدد كبير من الرجال بجنسيات مختلفة "بحسب ما أجبرت عليه سارة.

تم تحويل الشابة الى سجن عدرا المركزي بعد أن قضت حوالي الأربعة أشهر ما بين الأفرع، حيث وصلت إليه خائفة منكسرة لا تعلم إلى أين سيؤول حالها بعد تلك الرحلة القاسية.

خلال تلك الفترة تعرضت سارة للضرب بالكابل على جسدها، وتم تهديدها من قبل عناصر النظام لإجبارها على الظهور على إحدى شاشاته حسب ما أكدته الشابة حينما التقيتها في سجن عدرا، وأكدت أيضا أنها تعرضت داخل الأفرع لشتى أنواع القدح والذم من قبل كافة العناصر.

المحامي رامي عساف وهو أحد الحقوقيين وناشط في قضايا حقوق الإنسان الذين عملوا على حشد مناصرة لابنة منطقته سارة العلاو يقول في إحدى شهاداته: "سارة من بيئة محافظة ومعروفة في منطقتنا، وحتى عندما قررت الفتاة متابعة دراستها في جامعة دمشق سافرت برفقة أحد أفراد عائلتها وسكنت في بيت أقاربها ".

وتابع رامي في حديثه لموقع أخبار الآن : "بعد اختفاء سارة فوجئنا بظهورها على إحدى قنوات النظام بحالة يرثى لها، وسمعنا اعترافها القسري بأنها أميرة في جبهة النصرة وموضوع جهاد النكاح"، وأضاف "لم نصدق الراوية التي أجبر فيها النظام سارة على هذه الاعترافات القسرية لسببين، الأول أنه لم يكن هنالك وجود لجبهة النصرة في ذلك الوقت لا في منطقتها البوكمال ولا في مدينة دمشق مكان دراستها وبإمكان أي من المحققين التأكد من ذلك، أما السبب الثاني فهو مطالبة أحد أقاربها الذي كان يتابع قضيتها في سجن عدرا بعرضها أمام طبيب شرعي، وفعلا تم الأمر بعد إلحاح على مسؤول السجن، وأثبت التقرير أن الشابة عذراء، فكيف يمكن اتهامها بجهاد النكاح! ".

ويؤكد عساف أن سبب اعتقالها وحسب ما أسرت لمن كان يزورها في سجن عدرا أن "حديثا عن الدين دار بينها وبين إحدى زميلاتها في الجامعة من الطائفة العلوية أدى لكتابة تقرير عن سارة واعتقالها من قبل قوات الأمن".

ويستطرد المحامي رامي عساف بأن إحدى التهم وجهت إلى والدها بإنتمائه لجبهة النصرة علما أنه يعمل كخطيب مسجد في مدينة البو كمال، ومعروف باعتداله الديني، وعدم انتمائه لأي فصيل متشدد ".

وعن ردة فعل أهالي المنطقة وعملهم كفريق حقوقي في البوكمال يقول رامي أن "أبناء المنطقة كانوا يخفون خبر اعتقال بناتهم بسبب الأعراف والتقاليد السائدة في منطقتهم لكن بعد اعترافات سارة القسرية على قنوات النظام لم يصدق أحد منهم ما سمعه، وكانت ردة الفعل قوية من المثقفين والحقوقيين بالتعامل مع قضيتها، وحتى الأناس البسطاء استنكروا ما قام به النظام بحق ابنة مدينتهم ".

وأضاف "هذا الفعل المشين بحق سارة دفعنا للقيام بحملة مناصرة باسم الحرية للشريفة الحرة ابنة البو كمال سارة العلاو، وكان هناك تضامن كبير وتعاطف مع قضية سارة لدرجة أن العديد من أبناء المنطقة تقدموا لخطبة الشابة بالوقت الذي ستخرج فيه من السجن ما أعطى دعم معنوي للعائلة وتبني جديد لأفكار الثورة ".

ويذكر عساف أنه تم توثيق حوالي 1000 حالة اعتقال لنساء دير الزور من قبل النظام السوري لغاية شهر أبريل نيسان عام 2013 أحصاها مركز توثيق الانتهاكات بدير الزور.

وختم عساف بأن "سارة بصغر عمرها وتربيتها الأخلاقية أضعف من أن تدخل في هذا المعترك الذي صورها به نظام الأسد".

ولاتزال سارة تترقب خائفة بأن يأتي دورها، ويحين موعد نقلها الى سجن صيدنايا العسكري كحال جميع الموقوفات لصالح محكمة الميدان العسكرية، أو بانتظار فرج قريب عن طريق مبادلة تخرجها من ظلمات السجون.