أخبار الآن | حماة – سوريا (نجوى بارودي)

"الأسعار قابلة للتغيير في أية ثانية" لافتة وضعها "اسماعيل" على واجهة محله في "حي الحاضر" وسط حماة، بعد أن تجاوز سعر صرف الدولار حاجز الـ 540 ليرة سورية، ويبدو أن المواطن السوري هو آخر من يعلم بما حدث وماذا سيحدث له بعد في ظل نظام مستبد وسوق سوداء يتحكم بها أعوان النظام وممثليه، بدءا من التاجر الصغير إلى صاحب الشركات والمعامل.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يرتفع فيها سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية في السنوات الخمس الأخيرة، ولكن الصعود الأخير "أو القفزة كما يسميها الاقتصاديون" تسببت بحالة خلل واضحة في السوق المحلية وانعكست سلباً على الأسعار التي ارتفعت بشدة، لتوجّه ضربة شديدة للسوريين الذين عانوا من ويلات الفقر والموت والاستبداد ما عانوا. المواطن يضع اللوم على التاجر والتاجر الذي حوصر يضع اللوم على الحكومة الهزيلة ويتراشق الجميع الاتهامات ليكون الخاسر الأوحد هو السوري الذي لا يملك كفاف خبزه.

يقول "عمار" صاحب دكان صغير لبيع الخضار في "جنوب الملعب" بحماة: "نشعر بالذنب ونحن نرفع أسعار الخضروات والفواكة، ونعاني الأمرّين كما يعاني زبائننا. نحن أصحاب البسطات الصغيرة ليس بيدنا حيلة، باعة السمانة والبقالة والموردين وهم جميعاً من شبيحة النظام والذين يستطيعون تمرير بضائعهم في أي وقت ودون رقابة، استطاعوا تحقيق أرباح خيالية من حركات الصعود والهبوط للدولار في الفترات الماضية فقط من خلال المنتجات والسلع الموجودة التي يحتكرونها في مخازنهم ومستودعاتهم، وحتى المتموضعة على رفوف محلاتهم، وكثير منهم أوقف بيعه آملا أن يستيقظ في اليوم التالي على سعر صرف جديد للدولار يكون قد حقق معه ارتفاعات أعلى، وبالتالي زادت أرباحه دون أن يتكلف المزيد من رأس المال العامل لديه".

ويقول "عارف"، صاحب أحد المحال التجارية: "منذ عدة أيام التقيت أنا وعدد من أصحاب المكاتب والمحال في شارع ابن رشد كي نقوم بما يشبه ثورة صغيرة ضد البنك المركزي وأصحاب رؤوس الأموال الذين يتحكمون باقتصاد البلد ورفع سعر الدولار، لعلنا نحاول تبرئة أنفسنا أمام المواطن السوري الذي ما عاد يحتمل، الاتهامات متراشقة بيننا وبين الحكومة السورية ونحن كتجار نعرف أن المسؤول الأول والأخير هو وزارة المالية والعاملون في قطاع الصرافة وتجار العملة، ولكن معرفتنا لن تغير في الأمر طالما أنهم جميعا من المحميين بشكل مباشر من النظام السوري".

النظام وإفقار المواطن

أما "سمير" الموظف في إحدى الدوائر، فيقول: "حتى سائق التاكسي لم يتوان عن التذرع بارتفاع سعر الدولار ليجلد زبائنه بتسعيرة مرتفعة جديدة وضعها لنفسه، والكثير من أصحاب المستودعات والمحال الكبيرة استغلوا قفزة الدولار ليحولوها إلى شماعة يعلق عليها الكثير من النهمين والجشعين مبرراتهم ليصلوا إلى مآربهم في مراكمة الأموال تحت عين النظام وحمايته، فيما المواطن بمختلف شرائحه الاجتماعية ينوء بأحمال ثقيلة جدا لم يعد قادراً على تحملها".

ويكمل: ربما المفاجأة التي لا يعرفها الكثيرون أن البنك المركزي في سورية يمتلك بالإضافي إلى الاحتياطي من العملات الأجنبية كمية كبيرة من الذهب غير معلن الحجم كاف لإرجاع الليرة السـورية لمســتويات قياســية أمام الدولار الأمريكي وهو حتى الآن لم يتم اســتخدامه، وهذه الكميات الكبيرة من الذهب مدخرة على مدار عقود طويلة ويمكن اســتخدامها كسـلاح استراتيجي أخير لمكافحة الضغوط على سعر صرف الليرة السـورية".

يحدث كل هذا، والنظام والحكومة السورية غير معنيين بتلافي تأثيرات تراجع قيمة الليرة مقابل الدولار، بل وتحاول جاهدة الابتعاد عن أية آليات واستراتيجيات عمل لإعادة التعافي لليرة لأن ذلك لا يصب في مصلحة الرأسماليين منهم في ظل ارتفاع الدولار وتحكم الشبيحة بمختلف نواحي الحياة.

يعيش المواطن السوري حالة إنسانية صعبة وسط صمت مخز لمسؤولي النظام المتربعين على كراسيهم ومكاتبهم الفخمة، وكانت صفحات موالية ومعارضة تناقلت فيديو لمسؤول من "مصرف سورية المركزي" قال فيه أن "أديب ميالة" حاكم المصرف توعد المواطنين "بإطعامهم الحشيش".