أخبار الآن | الرقة – سوريا (عزام الحاج)

شَنَّ طيران التحالف الدولي غارة على سيارة تابعة لداعش بعد ظهر يوم أمس الثلاثاء، 26 نيسان، قرب جامع النور في مدينة الرقة؛ هذه الغارة كان قد سبقها تحليق لطائرة استطلاع مُسيرة عن بعد. وكانت آخر غارات شُنَّت على المدينة قد جرت ليلة 19 نيسان. وفي ما عدا ذلك، فإن الأوضاع الأمنية والعسكرية في مستقرة وهادئة نسبياً داخل المدينة وفي أريافها القريبة بعد أن شهدت خلال الأسبوعين الماضين قصفاً طال أحياء مدنية وبعض المواقع لداعش الذي يُحكم قبضته على المدينة منذ مطلع العام 2014.

داعش الذي أرسل من مدينة الرقة تعزيزات عسكرية إلى قواته المتمركزة في عدد من قرى وبلدات الريف الحلبي الشمالي، بدأ سياسة جديدة في ما يخص توزيع مقاتليه بحسب انتماءاتهم الأصلية. إذ أشار ناشطون محليون إلى أن داعش بدأ سياسة تتمثل في توزيع مقاتليه المحليين الرقيين على جبهات القتال في الحسكة والعراق وفي الريف الشمالي لحلب، فيما استبقى المقاتلين الأجانب، المهاجرين، في الرقة ومحيطها القريب، وهي خطوة تثير عدداً من إشارات الاستفهام حول رؤية داعش العسكرية والأمنية في هذه المرحلة.

هل ينسحب داعش من الرقة!

ويشير ناشطون من الرقة إلى أكثر من احتمال لتفسير هذه الخطوة من قيادة داعش. إذ يرى البعض فيها تفريغاً للمحافظة من أبناءها بما يخدم احتمال تسليمها بالقليل من القتال، أو دون قتال، كما فعل عند انسحابه دون قتال بري من "تل أبيض" في منتصف شهر حزيران الماضي، وكما فعل عندما انسحب أمام تقدم قوات النظام السوري من تدمر، بقتال شكلي، قبل نحو شهر؛ بينما، في المقابل، يمكن سحب المقاتلين الأجانب، المهاجرين، دون تبعات من انشقاق أو رفض للأوامر يمكن أن تصدر عن المقاتلين المحليين الذين يمكن أن يتمردوا على قيادة داعش في حال لم تدافع عن بيئاتهم المحلية.

ألّا أن تفسيراً آخراً، يوغل أكثر في نظرية المؤامرة، يرى في إرسال أبناء الرقة إلى جبهات القتال المشتعلة سعياً من داعش للتخلص من أكبر عدد ممكن منهم، وذلك كمقدمة لانتهاء عمله في سورية وإعادة تسليم المناطق التي يحتلها إلى النظام السوري، بافتراض أن داعش صناعة استخباراتية سورية إيرانية، أو إقراره عن عجزه عن تحقيق مشروعه، وتالياً إعادة ما سيطر عليه من أرض ومجتمع إلى عهدة أقرب الأعداء أو العدو الشبيه. ويستشهدون لدعم هذه النظرية بعملية داعش ضد قوات حزب "PYD" الكردية في منطقة تل أبيض، شمال مدينة الرقة، عندما أرسلت قيادة داعش المئات من المقاتلين الرقيين في عملية أشبه بـ"انتحار الحيتان" بعد يوم واحد من إعلان البدء عن الهدنة في 27 شهر شباط الماضي. وقتها خسر داعش حوالي 250 عنصراً من عناصره، معظمهم من أبناء محافظة الرقة، ومن المنطقة الشمالية تحديداً -تل أبيض وقراها- دون تحقيق أي إنجاز عسكري أو سياسي يستحق هذا العدد الكبير من التضحيات البشرية.

وأي تكن الحقيقة، فإن واقع الحال يشير إلى أن نتائج سياسات داعش، وسواء كانت نابعة عن رؤية خاصة به أم كانت تنفيذاً لمخطط كُلف به، قد أحدثت تمزقاً هائلاً في بنية المجتمع المحلي في مناطق سيطرته، وهذا محقق بشكل جلي في محافظة الرقة على الأقل. فإلى جانب العدد الكبير من القتلى في جبهات القتال، تسبب داعش في تحويل مجتمع الرقة، وربما عموم مجتمعات العرب السنة في سورية، إلى رمز للعنف والتخلف والطائفية بوصفها مجتمعاً حاضناً لإرهابه. وفوق ذلك عمل على إفقار المجتمعات المحلية من الكفاءات المهنية والإدارية والسياسية إما بقتل الناشطين والمقاتلين ذوي التوجهات الوطنية أو في دفع أكثر من نصف سكان المدينة إلى الهجرة والنزوح وفي مقدمتهم الأطباء والمهندسين والمحامين والمعلمين وطلاب الجامعات.