أخبار الآن | طرطوس – سوريا (سمارة علي)

طرطوس بعد التفجيرات ليست كما قبلها ولن تكون مرة أخرى، فثمة ما يحول بين ماضيها القريب وحاضرها وربما مستقبلها، وثمة مرجعيات تحرك ما كان خفيا في المدينة، إنها الطائفية بكل تأكيد.

الشعار البعثي الأكثر بريقا ولمعانا والذي يتبجح بالقول "الدين لله والوطن للجميع" سقط منذ وقت طويل. سقط القناع الذي غطت به طرطوس وجهها الطائفي، فلن تقاس بعد اليوم الأمور بمقياس الوحدة واللحمة الوطنية ولن يتشاطر المضيف والمضاف رغيف الخبز.

حواجز متزايدة وحملات "تعفيش"

سبعة أيام مضت على التفجيرات وما زال الذهول مسيطرا والخوف سيد الموقف، ردات الفعل كانت انتقاما طائفيا من نازحين المدن الأخرى "السنيّة"، والهدوء يبسط طقوسه على مدينة طرطوس فلا ازدحام للسيارات ولا أسواق تملؤها الناس، إنه بمثابة انقلاب نفذه الخوف والقلق مطيحا بالطمأنينة.

الحواجز العسكرية ازدادت بشكل كبير والميليشيات الموالية والتي تنتمي للطائفة العلوية أصبحت هي الأخرى تقيم حواجز التفتيش وحملات الدهم التي يطلق عليها السوريون حملات "التعفيش" وهذا ما جعل النازحين يفضلون التقوقع في أماكنهم لأن التجول ولو كان لأجل تأمين "ربطة خبز" أصبح مقامرة وكل الإيحاءات تنذر بالخسارة.

"محمد" وهو أحد النازحين يقول: "طفلي الصغير بحاجة للحليب وأخشى الخروج لجلب الحليب لأني لا أريد أن أكون كبش فداء، وخاصة أنني من مدينة إدلب".

بعض أهالي المدينة ممن خبر النظام وأساليبه باللعب على وتر الطائفية منذ تشكيله، تعاطف مع النازحين وآلمه ما جرى بحقهم من حرق للمخيم ومداهمة للبيوت واعتقالات، فمدوا يد العون لإخوتهم الذين يخشون الخروج لتأمين احتياجاتهم.

سوريون وسط العنف

"أبو علي" من أهل مدينة طرطوس وهو من الطائفة الإسماعيلية يقول: "هؤلاء ليسوا نازحين، بل إخوتنا وتحميلهم المسؤولية هو كذب وافتراء، وعلاقات الصداقة تربط بيني وبين الكثيرين منهم وأنا الآن أجلب لهم الخبز وحاجات ضرورية أخرى لأنهم يخشون الخروج. ما جرى في مدينة جبلة للجندي الحلبي "محمد جمال سخانة" يدل على أن النظام يتصرف بشكل طائفي لا بشكل وطني". والجدير بالذكر أن الجندي محمد جمال سخانة وهو من مدينة حلب ويقيم في مدينة جبلة منذ عام 2005 وهو جندي في صفوف النظام، لم يشفع له كل ذلك، فطائفته السنية وحدها كفيلة بأن تجعله مدانا وتم اعتقاله وضربه من قبل الميليشيات ليطلقوا سراحه بعد ذلك.

مداهمات مستمرة

المداهمات في طرطوس طالت كل شيء أو بالأحرى كل من لا ينتمي للطائفة العلوية. ففي شارع "البنك العربي" شنت قوات النظام مدعومة بميليشيا "نسور الزوبعة" حملة دهم واعتقال طالت منازل النازحين، وقد شوهد اعتقال سبعة عشر شخصا من بينهم مسنين واقتيادهم إلى فرع أمن الدولة حيث أخلي سبيل عشرة أشخاص منهم فيما لا يزال مصير السبعة المتبقين مجهولا.

وبالقرب من "دوار السياحة" اعتقلت قوات الأمن نحو عشرين شخصا ممن بطاقاتهم الشخصية من خارج طرطوس، لتصبح هوية الشخص ومدينته الفعلية وطائفته الدينية هي المعيار الأول في التعامل.

"جامعة تشرين" لم يكن لها من الحصانة والاحترام ما يظنه أي طالب وفقا لقوانين الجامعات في العالم. فحملات الدهم استباحت حرم الجامعة والخطير بالأمر أن الجامعة تضم طلابا من مختلف المدن والأرياف السورية، والذين أصبحوا هدفا سهلا للميليشيات. فالمداهمات طالت حتى شبانا من الطائفة الإسماعيلية". وهنا يطرح السؤال: إذا كانت داعش قد تبنت التفجيرات فما علاقة من ينتمون للمذهب الإسماعيلي والذين يعتبرون من الأقليات التي يدّعي النظام حمايتها؟ وما علاقة النازحين الذين "كما يقول النظام بشكل دائم بأنهم هاربون من إرهاب داعش"؟.

أيا كانت الأسباب فلن يصفح الضيف عن من ادعى مرة أن صدر المدينة له، ولن يكترث لمسألة الأمان النسبي، فما جرى قبل أيام ليس مجرد خطأ فرديا بل سياسة ممنهجة يتبعها النظام؛ يقول "من أفرغت الطائفية حقدها فيه.