أخبار الآن | طرطوس – سوريا (سمارة علي)

كانت الجامعات وعلى امتداد الزمان واختلاف المكان منبرا للعلم ونواة لتطور الأمم وتألقها  وتتمتع الجامعات في معظم دول العالم بخصوصيتها واستقلاليتها، لكن في سورية ثمة حديث آخر. فيد النظام هي من تتحكم بكافة المؤسسات بما في ذلك الجامعات، ناسفة بذلك كل القوانين والأعراف التي تعطي للجامعات تلك الاستقلالية والخصوصية. البداية كانت بالتسميات، فمن جامعة تشرين إلى جامعة البعث مرورا بالمدن الجامعية التي تحمل اسم باسل الأسد وصولا إلى حال الجامعات في زمن الثورة.

فبعد أيام من الواقعة التي هزت أركان الساحل السوري، بدأت تتكشف ادعاءات النظام وسياسته المشبوهة، فالتفجيرات وحدها كانت كافية لتثبت للمؤيدين قبل غيرهم أن مسألة أمنهم وأمانهم تتعلق فقط بالموالاة المطلقة لشخص الرئيس ومؤسساته لا للوطن وسلامته.

قرارات أمنية لاتحاد الطلبة

وبغض النظر عما فعلته قوات الأمن والميليشيات التابعة لها من عمليات دهم واعتقال باعتبارها جدلا "إجراءات أمنية",،فقد ثبت للجميع أن كل قرار يصدر عن المؤسسات التي يتحكم النظام  بمفاصلها ليس قرارا ذاتيا، إنه فرمان أملاه النظام وأصدرته هذه المؤسسة أو تلك باسمها.

"جامعة تشرين" في مدينة طرطوس والتي يدل اسمها على التبعية المباشرة للنظام، أصدر اتحاد الطلبة فيها حزمة من التعليمات والقرارات والتي لا تمت للعلم والتعليم بأية صلة، وهذه التعليمات جاءت بعد التفجيرات الأخيرة. إنه تشديد أمني في المكان الخطأ "كما يقول بعض الطلبة".

"ابراهيم" طالب في جامعة تشرين، يقول: "أصبح الدخول إلى الجامعة كالدخول إلى فرع للمخابرات العسكرية، فعلى باب الجامعة طابور من الطلاب ينتظرون الحرس ليسمحوا لهم بالدخول بعد التدقيق في الهوية وفي البطاقة الجامعية عملا بالتعليمات التي أصدرها اتحاد الطلبة، إضافة لمنع اصطحاب الحقائب باستثناء حقائب اليد والتي تخضع بدورها للتفتيش".

هذه التعليمات لم تلق قبولا لدى الطلاب الذين شككوا بأن يكون هذا اتحادا للطلبة، فقد بات في نظرهم فرعا استخباراتيا.

"فاطمة" طالبة في جامعة تشرين تقول: "هذه ليست تعليمات بل أوامر عسكرية، حتى أنهم يطلبون منا عدم الدخول بأي نقاش مع الحرس العسكري ومن يخالف التعليمات ستتخذ بحقه الإجراءات المناسبة، إنه تهديد ووعيد فماذا نفعل؟".

معاناة الطلاب النازحين

بعض الطلاب ممن كانت مناطقهم في مرمى الحرب، والذين أرادوا تحقيق حلمهم في التخرج قاموا بنقل جامعتهم إلى طرطوس باعتبارها آمنة وبعيدة عن المداهمات والمضايقات، لكنها اليوم كغيرها وخاصة أن مقر "ميليشيا نسور الزوبعة" قريب جدا عليها مما جعل الحرم الجامعي مباحا للمظاهر العسكرية.

"محمد" الذي نقل من جامعة حلب إلى تشرين، يقول: "نقلت جامعتي إلى هنا هربا من القصف والمداهمات المستمرة والاعتقال العشوائي فإذا بالأمر يتكرر هنا. فمرة يدخلون إلى الكافتيريا ومرة إلى القاعات بحجج واهية، ناهيك عن المضايقات لأسباب شخصية وكل هذا باسم الوطن. إنهم على يقين بأن الذي جاء ليدرس لا علاقة له بتفجير أو غيره!".

البعض من الأساتذة الجامعيين أبدى امتعاضه من هذه الممارسات، فما يجري كسر للأعراف الجامعية. امتعاض الكادر التدريسي من هذه التعليمات ليس لأنها تنطبق عليهم فحسب فقد اعتادوا الخضوع لممارسات الميليشيات التي تضم أكثر الناس جهلا وانحلالا أخلاقيا، لكنهم كمدرسين شهدوا ترك كثير من الطلاب المتميزين لجامعتهم بسبب هكذا إجراءات، ولأن الميليشيات لم تحترم الحصانة التي تمنحها كل الدول للجامعات، إضافة إلى أنهم لا يريدون أن تصبح الجامعة ثكنة عسكرية على حد تعبيرهم.

والجدير بالذكر أن إحدى التعليمات تقضي بأن يخبر الطالب عن أي مشتبه به من الطلاب، وهذا ما يزيد الأمر سوءا ويضاعف قلق الطلاب الذين باتوا يخشون أن يكونوا مشتبهين في نظر زملائهم الذين اختلفوا معهم ولأسباب لا تمت للسياسة بأية صلة.

غسان طالب جامعي يقول: "ألا يكفينا كطلاب أننا أصبحنا تسلية للحواجز المنتشرة خارج الجامعة تارة ولـ "نسور الزوبعة" و"كتائب البعث" ضمن الجامعة تارة أخرى ليطلبوا من الطالب أن يشي بزميله إذا شك فيه!".

كتائب البعث الطلابية

و"كتائب البعث" أو كتائب العبث كما يسميها الطلاب، هم طلاب جامعيون تطوعوا في صفوف النظام ويخشى أي طالب أن يثير انزعاجهم لأنه وبكل تأكيد سيعتقل بتهمة الإرهاب. ولا يقتصر الخوف على الطلاب بل يشمل حتى الأساتذة والموظفين، وهؤلاء المتطوعون عيون تنقل ما يجري ضمن الجامعة وتسببوا باعتقال الكثير من الطلاب.

"نزار" طالب في أحد المعاهد التابعة للجامعة، يقول: "ما هذه التعليمات اللامنطقية؟ شقيقتي وأصدقائي يدرسون في الجامعة واعتدنا على الاجتماع المتكرر في كافتيريا الجامعة، أما الآن وبعد هذه التعليمات لا يسمح لي أن أدخل الجامعة لأنني طالب معهد، فهل الذي نفذ التفجيرات طالب حتى يضيقوا علينا الخناق!".

صوت العلم في سورية بات خافتا أمام رعيد الحرب ومظاهرها ومفرزاتها، فالدراسة الجامعية بدورها أصبحت مغامرة خطيرة خاصة أن النظام هو من يسن القوانين اللاشرعية ويشرعنها لتصبح دستورا يلزم الطلاب بتنفيذ الأوامر والقرارات.