أخبار الآن | الريحانية – تركيا (وضحى عثمان)

أيقن السوريون وبعد عام تقريبا من اندلاع الثورة، أن مستقبل بلادهم مستهدف من قبل النظام، فقصفه للمدارس والبنى التحتية، وسياسة التهجير القسري جعلت السوريين أمام خيارين، إما الاستسلام للواقع المرير الذي يهدد المستقبل برمته، أو المكافحة والنضال وإيجاد سبل بديلة.

اختار السوريون العمل والبدء من جديد، وأصبحت عملية تأسيس المدارس والمنشآت المهتمة برعاية الأطفال صحيا وعلميا وطبيا هدفا للكثير من الجهات المحلية والداعمة.

كان وما يزال الأطفال أكثر المتضررين مما يجري في سوريا، فهم الذين عاشوا الخوف والتشرد واليتم، فأصبحوا محور اهتمام الجميع، ظهر هذا من خلال بناء مدارس ومشافي ودور لرعاية الأيتام على سبيل المثال، فكانت خطوة جبارة أدخلت البسمة وأعادت الأمل لهم.

روح الثورة تحرك جهود المتطوعين

في سورية، وتحت القصف، لا زالت مراكز رعاية الأطفال تقدم الجهد بسخاء. يقول "أبو تميم" المسؤول عن قسم التعليم في منظمة IRC لم نأت للمنظمة لكي نتقاضى رواتب مرتفعة، فكل ما نطمح إليه هو بناء جيل ناجح، يتطلع إلى سوريتنا التي انتفضنا على النظام لبنائها، الكل هنا يعمل دون كلل أو ملل من أجل أطفال سوريا، ولا يقتصر الأمر على قسم التعليم، بل على جميع الأقسام ومختلف فئات المجتمع.

وعلى الحدود التركية، توجد منشأة مخصصة لتوعية الأطفال ورعايتهم اجتماعيا، يقول "أبو أحمد": أصطحب طفلي إلى هذا المركز كل أسبوع، ليتلقى دروسا وعلاجا، فمنذ أن خرجنا من قريتنا بريف حماه، تنتاب طفلي نوبات ليلية سببها الخوف والقلق جراء القصف، وهو يتحسن بشكل دوري، والفضل للكادر وأقول لهم شكرا".

وبعض التجاوزات

غير أن هناك جانب مظلم، أبطاله تجار أزمات، استغلوا هذا الوضع الذي يمر به اطفال سورية، فبنوا مراكز مهمتها تقديم خدمات للأطفال من تعليم وعلاج جسدي ونفسي، أما عن حقيقة ما نتج، جمعوا اموالا طائلة بأسم أطفال، وبعد اكتفائهم، أو ربما إقتراب إكتشاف مخططاتهم، يختفون فجأة، تاركين الأطفال اللذين يشكلون نواة مستقبل بلادهم، مصيرا مجهول، حيث كانوا كل مدة زمنية، يبتدعون فكرة جديدة ومشروع جديد من مدارس ومراكز طبية تنشئ بأسم الأطفال، وبعد الحصول على الدعم والتمويل يختفي من قام بأنشاء هذا المشروع، مع ماحصل عليه من دعم، ليبقى الأطفال مع الموظفين البسطاء ضمن المنشأة.

"ريم" ممرضة تعمل في مركز أنشأ من أجل تأمين الخدمات الطبية للأطفال في مدينة الريحانية التركية، تقول: "في كل يوم كان يحضر شخص لمشاهدة الأطفال والعمل ويقدم الدعم المادي للمشروع، وكان يفترض علينا أن نعمل تطوعا، لأن المدير كان يقول أن المبلغ لا يكفي سوى لتأمين المعدات الطبية وبعد فترة قصيرة كانت المفاجأة، حيث علمنا باختفاء المدير وأسرته، كانت صدمة لنا جميعا عندما عرفنا أنه سافر الى أوربا وتكلفة السفرة 20 ألف دولار مع العلم انه لم يكن يملك أي رصيد".

أما "نور" المدرسة في إحدى رياض الاطفال فتقول: "أعمل تطوعا منذ أكثر من عام، ولم أتقاضى أي راتب، وأنا اشعر بالسعادة والرضى، رغم أن ظروفي المادية صعبة، فالفرح الذي أراه في وجوه هؤلاء الأطفال ينسيني تعبي وحاجتي، هناك دعم متكرر للروضة من قبل أشخاص ومنظمات، لكن حجة المدير أنها لا تكفي لدفع إيجار العقار، ومستلزمات العمل، مع العلم أنه يسكن في منزل إيجاره مرتفع جدا، بالإضافة لشرائه سيارة جديدة، وأشياء كثيرة، والأمر الأبغض لنا بخله على الأطفال حتى بوجبة طعام يومية، نعلم جميعا أن كل ما يأتي من دعم يضيفه لملكيته الخاصة".

هذه أمثلة بسيطة لما يحدث بالمتاجرة بمأساة هؤلاء الأطفال، الذين جرحتهم الحياة بما يكفي، وهذا الوضع يزداد وينتشر بشكل مخيف. في كل يوم مشاريع جديدة باسم الطفولة وتحت شعارات تخفي في داخلها جشع وكبير، يوازي قصف الطائرات الذي تعرض له هؤلاء الأطفال.

رغم ذلك، يقدم السوريون كل يوم دليلا على رغبتهم ببناء جيل يبني سوريا الحرة الجديدة، وتبقى الحالات التي ذكرت نادرة، أمام من وضعوا نصب أعينهم ترميم نفوس الأطفال والنأي بهم خارج أجواء الحرب وتبعاتها.