أخبار الآن | دمشق – سوريا (جابر المر)

"سوق العصرونية" هو أحد أقدم أسواق دمشق الملاصق تماما لقلعتها، والذي يعتبر جزءا أثريا وسياحيا هاما في المدينة القديمة، كما وأنه يشكل رافدا لأسواقها المسقوفة، وتباع فيه بالدرجة الأولى أواني الطبخ وألعاب الأطفال، ويتكون من حوالي الـ 200 محلا عرفت جميعها بعراقتها وغلاء ثمن عقاراتها.

ماس كهربائي!

استيقظ الدمشقيون على السوق يحترق، لكن أحدا لم يستطع الوصول لأن قوى النظام الأمنية، وقوى الدفاع المدني منعت الناس من التوجه حيث الحريق الذي اندلع عند الساعة السادسة صباح أمس "حسب تصريحات النظام"، التي جاء فيها أن الحريق حصل جراء ماس كهربائي أدى إلى احتراق 70 محلا بالكامل.

دب الفزع في الدمشقيين، وعادت إلى أذهانهم الأخبار والصور التي رأوها لاحتراق سوق حلب الأثري قبل ثلاثة أعوام، وبات السؤال واجبا عن السبب الكامن وراء احتراق الأسواق المدرجة ضمن لوائح "اليونسكو"، فالنظام برر احتراق سوق حلب بأن "الإرهابيين" حسب وصفه هم الذين أحرقوه، ولأن الجميع يعلم أن العصرونية وما يجاورها من أسواق دمشق القديمة مرتعا لقوى أمن النظام وقطعان شبيحته، كان المبرر في هذه المرة أن ماسا كهربائيا أحرق السوق.

وإن سلمنا جدلا أن ما أحرق السوق فعلا هو ماس كهربائي، هل يعفي هذا النظام من مسؤوليته؟ ولماذا يصرح النظام بهذه السرعة بأن هناك ماسا كهربائيا كان السبب بهذه الخسارة التي لا تقدر بثمن؟ أي نظام حكم وأي دولة تلك التي تعتبر أن ماسا كهربائيا يحصل في أحد أعرق أسواقها هو حبل منجاة لها بدلا من أن يقصى عدد هائل من مسؤولي الدولة على إثر حادثة كهذه.

"أحمد. س" محام في دمشق يقول لأخبار الآن: "متى سيشعر النظام أنه لم يعد قادرا على الحفاظ على سوق، لا على دولة، متى سيشعر مؤيدوه أنه فشل منذ سنوات وما زال يواصل الفشل حتى ستذهب الدولة كلها هباء، هذا وأنا لا أصدق في الحقيقة أن ماسا كهربائيا وراء ما جرى".

أما "أبو عارف" بائع متجول قرب منطقة "باب الجابية" فقد استهجن الموضوع: "نعيش في مدينة تنقطع عنها الكهرباء 16 ساعة يوميا، فمن أين يأتي الماس الكهربائي، هل باتت الكهرباء في دمشق تأتي لحرق الأسواق فقط؟".

أحاديث عن تورط إيران بحرق السوق

كان واضحا لدى جميع السويين أن الموضوع لم يكن ناجما عن ماس كهربائي، ولو أنه كذلك لحل الموضوع بلحظات دون أن تأكل النيران 70 محلا، خاصة وأن شبيحة النظام لا يغادرون المنطقة، ولا العناصر الإيرانية، ولا عناصر الميليشيات الشيعية الأخرى، ممن يسمون أنفسهم "حراس المقام".

لكن بدلا من أن يدّعوا إخماد نيرانها، فعلى حراس المقام بالدرجة الأولى أن يخرجوا أنفسهم من التهمة، فأصابع الاتهام تشير إليهم خصوصا بعد أن طلب إيرانيون تابعون للسفارة الإيرانية بدمشق من تجار السوق أن يشتروا محلاتهم بالسعر الذي يريدونه ورفض التجار تصديق ادّعاء السفارة أن الهدف من ذلك هو توسيع مقام السيدة رقية القريب، وهو الصرح الشيعي الثاني أهمية في دمشق بعد مقام السيدة زينب.

سبب آخر يجعل الجميع يتشكك بأن النظام وإيران وراء العملية المدبرة وهو أن النظام أوقف بعد اعتراض من منظمة اليونسكو عام 2007 مشروعا هدف لإزالة بعض البيوت والأسواق الأثرية، وتحويل أماكنها لساحات ومنتزهات، مدعيا أنه يريد كشف سور المدينة بالكامل، وما من وراء القصد إلا السيطرة على البيوت والأسواق الدمشقية المحيطة بالمقام الشيعي.

"أبو محمد" أحد الزبائن الدائمين للسوق يقول: "كنا نعلم من قبل، تجارا وزبائنا أن النظام سيدبر لإخراج الجميع من أسواق المدينة ليسيطر عليها، ويهديها لإيران، لكن تمسك أصحاب الأرزاق بمحلاتهم أدى إلى إحراق السوق، مرت الحادثة على خير فلم يحرق سوى 70 محلا في العصرونية، لكننا لا ندري ما هو القادم، وهل هي فاتحة تجرؤ النظام وإيران على أسواق دمشق القديمة، فالجميع يعلم أن دمشق القديمة منذ أكثر من ثلاثة أعوام تدار من قبل عناصر حزب الله والحرس الثوري الإيراني والوجود الأمني السوري فيها يكاد يكون معدوما ولا حول له ولا سلطة".

من تجرأ على الأرواح لن تهمه الأسواق، هكذا يرى السوريون الأمر، فمع علمهم مع أهمية أسواقهم التاريخية، وعراقتها، إلا أن ما يؤرق السوريين أكثر هو أن هذا النظام قتل أكثر من 500 ألف شهيد، واعتقل ما يفوق المليون ونصف شخص ما زال مصيرهم مجهولا، أما الأسواق فبعد زوال الأسد سيعيد السوريون إعمارها والعناية بها.