أخبار الآن | دمشق – سوريا (زياد المبارك)

مع قدوم شهر رمضان الكريم، وبعيدا عن الحديث عن الغلاء المستشري والمتزايد وسوء أوضاع الناس الاقتصادية والمعاشية اليومية؛ نسي أهالي دمشق في خضم الحرب والبحث عن قوتهم اليومي التقاليد التي اعتادوا عليها وطقوس رمضان المرتبطة بشكل خاص بتصدر المساجد "المسجد الأموري بشكل خاص" المشهد الديني والاجتماعي في الشهر الفضيل.

رمضان في اللاذقية .. ذكريات العائلة السورية وعادات تتراجع أمام الغلاء

الأناشيد الرمضانية الغائبة

اعتاد أهالي دمشق على سماع وترديد الأناشيد الدينية الخاصة بشهر رمضان، وذلك لارتباطها بأشهر وأهم المنشدين على مستوى سوريا والوطن العربي مثل المنشد الشهير "توفيق المنجد" و"حمزة شكور" وسليمان داوود وغيرهم الكثير.

وبعد أن كانت الأناشيد هي التي تسبغ طقس رمضان اليومي، مثل: "أهلا رمضان، فودعوه، يا فرحتي"، وغيرها من الأناشيد التي حفرت ذاكرة الألفة والتكافل بين الدمشقيين بشكل خاص والسوريين عموما؛ بات على السوريين أن ينسوا "ترف" ترديد الأناشيد، بل وعليهم أن يتناسوا أيضا الأغاني الدينية "الشيعية" التي انتشرت في هواء دمشق من خلال "أكشاك" منتشرة على الأرصفة، تعود إلى الفروع الأمنية المختلفة، وكذلك في الأصوات الصادرة من "مسجل" السيارات التابعة لميليشيا "الدفاع الوطني" وميليشيات شيعية أخرى.

الغوطة قبل رمضان.. يرتفع الدولار ترتفع الأسعار، ينزل الدولار ترتفع الأسعار

منشدو الحرب وبلبل الشام

في ظل الحرب اليومية التي تعيشها سوريا، غاب الطابع الروحي عن حياة الدمشقيين، وغابت معها ذكرياتهم واستقرارهم. فبات اليوم الرمضاني يحمل هموم تأمين وجبة الإفطار ومن ثم السحور، والهروب كذلك من الحواجز المنتشرة كالسرطان في شوارع العاصمة.

في ظل كل هذا، غابت أناشيد بلبل الشام "توفيق المنجد" الذي ارتبط رمضان بصوته وكلمات أناشيده لتحل مكانه أغاني طبول الحرب واللطميات الشيعية التي لم يعتد الدمشقيون على سماعها إلا من رغب في مشاهدة الاحتفالات الشيعية السنوية في منطقة السيدة زينب.

تقول "أم محمد" 60 عاما، من أهالي منطقة "الفحامة" في وسط دمشق: "هذه ليست الشام، صوت الشيخ المنجد غاب منذ فترة وغابت الأناشيد الجميلة. حتى اللهجة الشامية بدأت بالاختفاء أمام لهجات ولكنات غريبة. دمشق محتلة يا ابني".

"دمشق على طريق التشييع" هكذا تعتقد "ع. س" المدرسة في إحدى الثانويات في دمشق القديمة، وتتابع: لكل مدينة هوية ثقافية ودينية واجتماعية خاصة، لم نعد نعرف دمشق بكل معنى الكلمة، حتى أنا عاداتنا الدينية صرنا نخاف من إظهارها حتى لا يتم اتهامنا بأننا طائفيون! في حين ينتشرون بيننا كالسرطان ويمارسون طقوسهم في مساجدنا ويصمون آذاننا بالأغاني الطائفية الخاصة بهم".

"أطفال لا جنود" حملة للحد من ظاهرة تجنيد الأطفال في جبهة النصرة

الشام في الذكرة

تعمد بعض المساجد إلى إعادة تراث المنشدين الكبار وبشكل خاص "توفيق المنجد"، في محاولة من بعض المنشدين الشباب تكريس الهوية الدينية والثقافية للدمشقيين وعدم محو ذاكرة الأيام السابقة.

"ع" أحد المنشدين الشباب في دمشق، يقول: "بعد ما حصل في السنوات الخمس الأخيرة والحرب التي نعيشها، نحاول أن نركز على الجانب الروحاني للدمشقي. نعرف أن هموم الحياة أثقلت كاهل المواطن، لكننا أمام تحديات كبيرة في الحفاظ على التراث الديني الاجتماعي"، ويضيف: لم يكن أمامنا إلا اختيار الشيخ "توفيق المنجد" كي نعيد أناشيده وتراثه لما يحمله من حضور كبير في وجدان وذاكرة الدمشقيين. واليوم سوف ننشد بعض المدائح النبوية التي كان ينشدها.

لم الشمل.. مأساة السوريين المغيّبة

تعيش دمشق وأهاليها على وقع احتلال يومي من النظام والميليشيات الشيعية التي تسيطر سياسيا وعسكريا ودينيا على البلاد، لكن يبقى للحضور الديني الروحاني ألقه الخاص متمثلا بأناشيد "بلبل الشام" الحاضرة في ذاكرة السوريين، مستذكرين الأمل في عودة تلك الأيام لرمضان دمشق الخاص.

* توفيق المنجد: أشهر المنشدين في القرن الماضي ومن أجمل الأصوات في دمشق، وهو من مواليد دمشق 1910 في حي القيميرية في دمشق. ارتبط اسمه بشهر رمضان، وحظي بمكانة خاصة في قلوب الدمشقيين، لصوته الجميل في المدائح النبوية والموشحات لزمن طويل مع فرقته، وقد أمضى أكثر من ستين عامًا في الإنشاد ليتربع عرش منشدي دمشق ويطلق عليه اسم "بلبل الشام". توفي 1998 ودفن في دمشق.

أناشيد رمضان في دمشق .. بين "بلبل الشام" والأغاني الطائفية